بقلم: جمال علي حسن
قبل مبادرة الحوار و إطلاق الحريات كان اعتقاد
الكثيرين ان الانقاذ لو قررت فقط إطلاق الحريات السياسية والحريات العامة
بلا تقييد لن تستطيع الصبر على سيل التغيير وتسونامي الثورة.. وستسقط
فوراً.. كنا نسمع أنه لو أطلق البشير الحريات وسمح نظامه بتنظيم مسيرة
واحدة فقط لمواطنين فى العاصمة ستكون تلك المسيرة هي نهاية هذا العهد إذ
سيخرج الشعب السوداني على بكرة أبيه مطالباً باسقاط النظام وسيضطر الناطق
الرسمي باسم الحكومة ان يطل إطلالة مرتبكة وعاجلة على شاشة التلفزيون
القومي مثل خروج عمر سليمان يزف بكلمات معدودات توجت الرئيس المصري السابق
حسني مبارك بكلمات معدوات توجت نضال الثورية الشعبية المصرية فى إحداث
التغير السلمي الجماهيري..
لكن هذا لم يحدث في السودان برغم ان ناظم الانقاذ يحكم منذ 1989 و
بالتالي فإن مشروع الثورية الجماهيرية بمعدلات نضالاتها التراكمية حسب
(سوانيز أون لاين و الراكوبة) وغيرها من مواقع الاسفير هو مشروع ناضج لثورة
شعبية كان من المتوقع ان لاتحتاج جماهيرها حتى لنداءات الدعوة .
لذلك كان هناك ظن بأن البشير لن (يدقس) ويتخذ مثل هذه الخطوة التى لو
فعلها حقاً فإن نهاية نظامه ستكون بعد اسبوع أو عشرة ايام بالكتير.. أين
جماهير الثورة الشعبية بعد ان زالت أسباب الخوف من التعبير ومن ممارسة
النشاط المعارض ومن المطالبة بإسقاط النظام؟.. ان قوة وحجم الحشود
الجماهيرية والحشود الشعبية السلمية التلقائية من المواطنين فى التجارب
الديمقراطية تعتبر معياراً لقياس درجة الرفض العام والتعبير عن حقيقة
الرغبة الشعبية فى إزالة الحاكم.. وقد شاهدتهم كيف سقط إبن علي فى تونس
وحسني فى مصر وقبله النميري فى السوان..
لم يكن قرار تسلم السلطة للجماهير قرار طوعي بالنسبة لمبارك وبن عي بل
كانت نتيجة لحجم واتساع ورقعة الرفض التى لها طريقان للتعبير عنها.. الطريق
الاول هو مواجهة نظام لا يسمح بالحريات وانتزاعها من فمه بقوة درجة
الثورية الشعبية ثم فرض إرادة الشعبية وإحداث التغيير كما فى حالة تونس
وحسني مبارك..
أما الطريق الثاني وهو الأسهل ان يكون شارع الثورية -الموجود أصلاً
وكانت مقموعة- شارعاً متاحاً وممهداً حسب التشريعات وهنا لا تكلف الثورة
الشعبية فاتورة باهظمة كما فى الحالة الأولى ولكن يبقي الشرط المبدئي
والاساسي وهو وجود حالة ثورة شعبية من الاساس.. فلو لم تكن تلك الحالة
موجود فإنه لا يستطيع اي كائن من استدعاءها واستلافها او تصنيعها من
العدم.. يمكنك ان تنجح فى انقلاب عسكري ولكن لا يمكنك اصطناع غضب جاهيري
عارم ضد شخص أو نظام لو لم تكن تلك الحالة موجودة أصلاً. ..
يمكن لأي مجموعة ان تنجح فى تأليف وتكوين جسم عسكري متمرد في اي مكان
فعناصر تكوينه لا تخلف عن عنصار تكوين العصابات.. ولكن لا يمكنها تأليف
وتكوين واصطناع حالة شعبية أو قرار جماهيري لو لم يكن موجوداً.. الشيء
الأخير هو ان الثورة والوعي العام اصبح متوافراً للجميع قبل اطلاق الحريات
بحكم توافر الوسائل الاعلامية والبديل الفضائي والالكتروني المتاح لمعظم
الناس وبالتالي فإن تنظيم ندوات لتوعية الناس لن يتعدى اسهام تلك الندوات
فى التوعية فى عالمنا عام الواتساب والفيسبوك والتويتر أكثر من التأكيد على
ما هو مؤكد مع عدم القدرة على التزييف بحكم توافر المعلومات للحضور بنفس
درجة توافرها للمتحدثين.. هناك عطب حقيقي فى عربة الثورة .. اقترح مراجعة
منشأ التصنيع وإعادة قراءة (الكاتلوج) من جديد..!
تعليقات
إرسال تعليق