لن نغالي إن أجزمنا بأن قوى تحالف المعارضة -أو بالأحرى ما تبقى منها فى
حظيرة التحالف- لن تشارك فى حراك الحوار الوطني الشامل حتى ولو استجاب
المؤتمر الوطني لكل اشتراطاتها الهلامية. ففي الوقت الذي اعتقد فيه بعض
المراقبين ان قوى التحالف وبعد القرارات الهامة التى اصدرها الرئيس البشير
فى فاتحة اللقاء التشاوري الذي جرى في قاعة الصداقة أمسية السادس من ابريل
الجاري والتى قضت باطلاق الحريات كافة سوف تبادر وعلى الفور لقبول الجلوس
فى المائدة المستديرة، فإن هذه القوى سارعت بالاعلان عن (استمرارها) على
موقفها السابق بألاّ تشارك ما لم يتم إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات
وإيقاف الحرب.
وهي اشترطات -لدهشة كل القوى السياسية وكل المراقبين
والمحللين السياسيين- ذات صلة بالحوار نفسه، أي أنها هي نفسها الجزء الاكبر
والهام ومن الحور الذي ينتظر أن يناقشها، ولهذا ثبت جلياً ان هذه القوى
غير راغبة بل وغير جادة فى المشاركة في الحوار مهما كانت المغريات السياسية
ولا توجد مغريات سياسية أعلى وأغلى من تلك القرارات الرئاسية التى دخلت
حيز التنفيذ فعلاً, ولعل السؤال الجوهري الهام فى هذا الصدد يتمثل في طبيعة
الاسباب الكامنة وراء إحجام هذه القوى من المشاركة فى الحوار رغم ما توفر
من مناخ عام مواتي لا ينكره حتى مكابر؟
السبب الأول، أن هذه القوى
(ليست واثقة) من وزنها السياسي وقدراتها فى الخضم الموجود فى الساحة
السياسية. تشعر هذه القوى ان لديها رؤى وأطروحات من الممكن أن تضيع فى
الزحام ولن يابه لها أحد، بل لا نبالغ إن قلنا إن هذه القوى (تعرف قدرها)
ولهذا ليست مستعدة للقبول بأطروحات الآخرين الذين يختلفون معها فى رؤاها
ومن الطبيعي فى مثل هذه الحالة ان تحجم عن المشاركة لأنها بالنسبة لها
مشاركة خاسرة أقصى ما تحصل عليه أنها ستكون (رديفاً) لقوى أخرى أكبر.
السبب الثاني وهو الأهم والأخطر ان هذه القوى -لذات السبب السابق- لجأت
للتنسيق والارتباط مع قوى مسلحة (الجبهة الثورية) فى إطار مراهنتها على
تغيير السلطة بالقوة حتى يتاح لها -مع قعقعة السلاح- أن تفرض رؤاها الخاصة
فرضاً باعتبارها صاحبة رأس المال السياسي فى إسقاط الحكومة وهو أمر أيضاً
يمكن ملاحظته من خلال إصرار هذه القوى -على نحو مثير للإستغراب- لضرورة
الجلوس مع حملة السلاح مع علمهم ان الجلوس مع حملة السلاح وفق المعطيات
الماثلة للعيان أمر لا يخلو من صعوبة وربما يؤثر على حالة الحراك السياسي
ويفسد الحوار نفسه.
السبب الثالث ان هذه القوى تخشى -كل الخشية- من أن
تقبل بالحوار فيفضي الحوار الى وفاق وطني ومن ثم تتهيأ الساحة السياسية
للانتخابات العامة فلا تحصل على شيء، وتصبح وفق تقديراتها مجرد (أداة
رافعة) للآخرين وتضطر الى الجلوس (عاطلة) فى دكة المعارضة دون ان تستطيع
إحداث أي اختراق، وهذا التخوف سببه الأساسي ان هذه القوى -بطعبيتها- غير
قابلة للتحالف مع آخرين لأن أطروحاتها ورؤاها السياسية لا تقبل ولا تتحمّل
المناصفة وتقديم التنازلات.
وعلى كل فإن من المفهوم أن تقف هذه القوى موقفها هذا وهي تعتقد خطأً -حتى بعد كل ما جرى- أنها ما تزال قوى الاجماع الوطني!
تعليقات
إرسال تعليق