الحكومة السودانية وترجمة عملية للإصلاح الشامل!

الأسبوع الماضي، وضعت الحكومة السودانية -رسمياً- نقاط بارزة على حروف الإصلاح الشامل وصلاً لخطاب الوثبة الشهير الذي قدمه الرئيس السوداني فى أواخر يناير الماضي. ففي جلسة طارئة عقدها مجلس الوزراء السوداني ظهيرة الأحد 23/مارس/2014 قدّم الرئيس فى خطاب دام لأكثر من نصف ساعة ونوقش فى مدى زمني جاوز الساعتين ونيف، قدم أطروحة تنفيذية شاملة ومتكاملة لبرنامج الإصلاح الشامل لوضع كل مرتكزات الإصلاح موضع التنفيذ.
وقد حوى الخطاب التنفيذي عدة أمور إستراتيجية ومهمة باعتبارها ستكون بمثابة (موجهات عامة للعمل الحكومي فى المرحلة المقبلة لإنفاذ متطلبات الإصلاح الشامل)؛ وخاطب الرئيس السوداني وزراء حكومته طالباً منهم أولاً: الحرص على إعمال مبدأ المحاسبة، وهو بلا شك مبدأ من أهم وأكبر مبادئ الممارسة الديمقراطية والشفافية حيث لا مجال لغض الطرف عن خطأ أو مخطئ مهما كانت درجته الوظيفية ونفوذه.
والواقع إن مبدا المحاسبة -بهذه المثابة- يؤسس لمجتمع سياسي وتنفيذي وإداري قائم بواجباته ومسئولياته بعيداً عن أي فوضى, وتجاوزات للقانون. إذ أن الأمر المهم هنا -وهو ما ينبغي التركيز عليه- أن هذه هي ركائز الإصلاح الشامل وليس المطلوب هنا النظر الى الوراء وإلى الماضي؛ ذلك أن المطروح هنا تنقية الساحة السياسية والتنفيذية من أية شوائب فى الممارسة والعمل على إحقاق مبادئ القانون.
ثانيا: دعا الرئيس أيضاً الى مكافحة الفساد وهذه قضية طال الجدل حولها إلا أن الرئيس البشير -ومنعاً لهذا الجدل- أشار  الى إنشاء منظومة تشريعية متكاملة تساعد على مكافحة الفساد عبر الآليات العدلية الموجودة داعياً الى مراجعة قانون الحصانات وحصرها فى نطاق ضيق، كما دعا الى مراجعة قانون الثراء الحرام باعتباره واحداً من أهم القوانين والتشريعات التي تراقب سلوك المسئولين وتصرفاتهم المالية درءاً لأي شبهات ومنعاً لأي تجاوزات.
رابعاً: وجّه الخطاب أيضاً الى ضرورة المبادرات من قبل الجميع -مسئولين وغير مسئولين- لتعزيز الثقة فى الأداء الحكومي وهي نقطة شديدة الأهمية باعتبارها تفتح الباب واسعاً لإيجاد معالجات لأي أداء حكومي فيه واختلال بأي درجة كانت إذ من المعروف أن الممارسة التنفيذية هي ممارسة يومية، وقد تطرأ هنا وهناك بعض الاختلالات التي تستوجب إيجاد معالجة لها لا تخل بأداء الحكومة أو إلحاق الأضرار بالمواطنين أو بأي جهاز من أجهزة الدولة.
رابعاً: دعا البشير أيضاً الى بسط العدل بين المركز والأطراف وهي معادلة من الضروري أن تظل متوازنة وقوية إذ أن غالب المظالم والتعقيدات السياسية ظلت تنشأ من واقع شعور الولايات -أو الهامش- أن المركز لا يلقي لها بالاً خاصة فى قضايا التنمية والخدمات الأساسية من تعليم وصحة وغيرها.
وإذا أردنا الإنصاف فإن تركيز الجهد الرسمي فى المرحلة المقبلة على ما يطلق عليه التنمية المتوازنة والاحتفاظ بمعادلة قوية بين المركز والأطراف من شأنها أن تعزز بالفعل من قضايا الوحدة الوطنية الحقيقية وتقلل من النشاط المسلح الذي ظل ينشب بين الفينة والأخرى فى أرجاء مختلفة من البلاد.
خامساً، دعا الرئيس أيضاً الى تعزيز التعاون الاقتصادي والتعاون الدولي باعتباره الوسيلة المثلى لتعزيز مكانة السودان الإقليمية والدولية ورعاية مصالحه الإستراتيجية مع العالم. ولهذا فإن الاجتماع الطارئ لمجلس الوزراء السوداني -وهو صميم الجهاز التنفيذي- خطا أولى الخطوات العملية نحو إنفاذ حزمة الإصلاحات التي كان قد طرحها الرئيس، ولعل الأمر المهم والملفت للانتباه فى هذا الصدد أن الرئيس فتح الباب واسعاً فى موجهاته هذه للكافة بتقديم المقترحات الضرورية لهذا العمل على اعتبار أن فى ذلك مشاركة فعلية فى إصلاح جهاز الدولة باعتباره واحداً من أهم عناصر ترسيخ الاستقرار.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة