< تتطور الأحداث في دولة جنوب السودان بشكل متسارع، فعلى الأرض اتخذت
الحرب منحى خطيراً بسيطرة المعارضة المسلحة بقيادة د. رياك مشار على كامل
ولاية الوحدة وخاصة قلبها المتمثل في مدينة بانتيو عاصمة الولاية، وبذا
تصبح مناطق البترول في هذه الولاية قد خرجت من أيدي الحكومة بقيادة سلفا
كير، ويمكن أن تلحق بها مناطق فلوج وعدارييل التي تحاصرها قوات مشار وتقترب
من السيطرة عليها بالكامل.
< وتشهد الساحة الجنوبية في ميادين
القتال تراجعاً ملحوظاً لسيطرة الحكومة، وهي بالفعل لا تفرض هيمنتها إلا
على أجزاء من بحر الغزال والاستوائية وقليل من ولاية البحيرات وجونقلي،
بينما وقعت أعالي النيل الكبرى لقمة سائغة بين أسنان المتمردين.
<
وإذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال وتوالت انتصارات المتمردين، فإن جوبا
لا محالة ستسقط وستنهار دولة الجنوب الوالغة في حرب أهلية مدمرة.. ويصبح
العامل الجديد بسيطرة قوات رياك مشار على ولاية الوحدة ومناطق إنتاج
البترول، بمثابة قطع حلقوم ومريء دولة الجنوب وكل شرايينها، ولن تكون قادرة
على الحياة فـ «98%» من موارد هذه الدولة تعتمد على البترول الذي انخفض
إنتاجه بسبب الحرب إلى أقل من مئتي ألف برميل في أيام النزاع الأولى ويكاد
لا يصل إلى «120» ألف برميل يومياً أو أقلَّ من ذلك.
< وإذا أخذنا في
الاعتبار أن الحرب استنزفت كل خزينة الدولة، وأخذت يوغندا الاحتياطي
النقدي الجنوبي في بداية أيام الأزمة برضاء حكومة سلفا كير، فإن جوبا ستكون
في وضع انهيار كامل لن يجعل ذهاب الحكومة أمراً صعباً بأي حال من الأحوال.
< وتتجه الأوضاع برمتها في دولة الجنوب إلى اتجاهين أساسيين يجب تناولهما بدقة:
<
أولاً: يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الاتحاد الأوروبي وبعض
القوى الإقليمية، تعمل على تحضير بدائل أخرى للرئيس سلفا كير ومجموعته ود.
رياك مشار ورهطه المتمرد، وتُثار معلومات كثيرة حول هذه التحضيرات التي
بدأت بتكوين المجموعة الثالثة أو ما تسمى الطريق الثالث، وهو يضم المعتقلين
السبعة السابقين ومجموعة الأمين العام للحركة الشعبية، وهذه المجموعة
البديلة تعد الآن قبل وبعد خروجها من المعتقل، ومعلوم أن هذه المجموعة
عندما تم إطلاق سراحها وتم ترحيل المُفرج عنهم إلى كينيا ثم لحقوا
بالمفاوضات في أديس أبابا تحت رعاية الإيقاد، أعلنوا عن أنفسهم طرفاً
ثالثاً، وطلبوا ضمهم لطاولة التفاوض، وكل ذلك في إطار لعبة دولية كبرى تجرى
بدقة لتغيير تركيبة الحكم في دولة الجنوب وصنع حكومة جديدة تكون خاضعة
بالكامل للغرب وتسهل السيطرة عليها لتنفيذ الأجندة المطلوبة في هذه
المنطقة، ولذلك يمكن تفسير ما يجرى الآن من فرض عقوبات أمريكية على حكومة
دولة الجنوب وتأجيج نيران الحرب لتستعر بضراوة حتى يتم التخلص من سلفا كير
وإضعاف رياك مشار عبر الغزو اليوغندي وتهيئة الظروف للمجموعة الثالثة..
وهذا الاحتمال برغم صعوبة تنفيذه من الناحية الموضوعية بسبب الوزن الشعبي
والقبلي للقادة الجدد وصعوبة إيجاد التوليفة السياسية والقبلية والعسكرية
المناسبة مع بوادر تمزق الدولة وجيشها الشعبي وانفراط عقد أمنها وتماسكها،
إلا أنه من أكثر الاحتمالات وروداً.
< ثانياً: على صعيد مجموعة رياك
مشار التي تحقق انتصارات على الأرض، تبدو قضية البترول حاسمة بالنسبة
إليهم، فضلاً عن إصرار هذه المجموعة على فرض سيطرتها على مناطقه وقطع ريعه
عن جوبا والاستفادة منه، وتصفية وجود المجموعات التي ترتزق من مشاركتها في
القتال لصالح سلفا كير، وهي حركات دارفور المسلحة والجبهة الثورية وقطاع
الشمال بالحركة الشعبية.. ودحر الغزو اليوغندي، والجديد في هذا الصدد أن
مجموعة رياك مشار فتحت بالفعل حواراً مع الصين حول وجود الشركات الصينية
ونصيبها من البترول مع كامل الضمانات حوله، وتصل نسبة الشركات الصينية من
بترول الجنوب إلى 20% من عائداته، وأي اتفاق بين الطرفين «الشركات الصينية
ورياك مشار» سيكون بمثابة بداية النهاية وكسر عظم الظهر لحكومة سلفا كير
ودولة الجنوب.
< فوضع الجنوب في هذه اللحظات يتحدد من مدى قدرة حكومة
الجنوب على التماسك الداخلي ومواجهة عملية تجهيز البدائل ولجم الاختراقات
الداخلية للقبائل والجيش الشعبي نفسه، وبين لعنة النفط التي ستقضي على كل
شيء.
تعليقات
إرسال تعليق