لماذا تصاعد الخوف فى الجبهة الثورية مؤخراً؟

الإجابة لمفارقات القدر أن الجبهة الثورية التى طالما داعبها الحلم بالوصول الى السلطة فى الخرطوم -عن طريق السلاح- واستهانت فى سبيل هذا الهدف الحلم بكل القوات الحكومية السودانية، وقفت الآن -ومنذ ما يقرب الستة أشهر- حائرة أمام القدرات العسكرية للوحدة القتالية الصاعدة بقوة والمتمثلة فى قوات الدعم السريع.
الجيش السوداني تاريخياً لم ينكسر أو ينهزم فى معركة عسكرية قط، وفى الواقع فإن الجيوش -أي جيوش- فى العادة لا تستخدم تكتيكاتها الحربية وجهدها الحربي إذا تعلق الأمر بمحطيها الأمني الداخلي، إذ من الطبيعي أن يدخر أي جيش محترف جهده الحربي فى مواجهة العدوان الخارجي المتعدِّي للحدود؛ أما في الميدان الداخلي فإن طريقة التعاطي معه تختلف إذ ان هناك اعتبارات عديدة يتم وضعها نصب الأعين بصرامة شديدة تتصل بتفادي إيقاع خسائر داخل المدن وبين المدنيين وتحاشي استخدام تكتيكات قتالية ربما تلحق ضرراً واسعاً النطاق، وتتسبب فى خسائر ليس من الحكمة إيقاعها.
غير أن الاخطاء البشعة التى وقعت فيها الجبهة الثورية حين قادت أبشع هجوم على مناطق أبو كرشولا وما جاورها قبل أشهر طوال، أنها لم تضع اعتباراً لقضية تفادي المدنيين، والمساس بالمنشآت العامة. الكل يذكر مبلغ الدمار الذي أحدثته الثورية -متعمدة ومع سبق الاصرار- على مناطق أبو كرشولا وتلك كانت فيما يبدو نقطة فارقة فى الطريقة التى وطّن الجيش السوداني نفسه على أن يتعاطى بها لوقف مثل هذه الهجمات والحد منها.
وتبدو قوات الدعم السريع التى أنشأها الجيش السوداني وفى ذهنه طبيعة تكتيكات الجبهة الثورية والحركات المسلحة هي العلامة الفارقة فى مجمل المشهد العسكري على صعيد جبهات القتال المتعددة سواء في مناطق جنوب كردفان أو محيطها.
استطاعت قوات الدعم السريع فى فترة وجيزة ان تتحول الى (كابوس) عسكري مرعب فى مخيلة الجبهة الثورية فهي قوات مدربة على الملاحقة اللصيقة، وفى العِلم العسكر فإن هذه الملاحقة اللصيقة علاوة على أنها تُرعِب العدو كونها لا تمنحه الفرصة ليتدبر خياراته ويلتقط أنفاسه ويقرر؛ فهي تحرم العدو من الفرار المنظم أو غير المنظم بحيث يصبح من العسير تماماً الفكاك منها.
التجربة لمسها قادة الثورية -عن قرب- فى عدد من المناوشات التى كانت قد جرت قبل حوالي الثلاثة أشهر، إذ سرعان ما تبين لقادة الثورية -رغم وجود قادة على مستوى عال من التدريب- ان المواجهة خاسرة لا محالة إذ ان هذه القوات لا تقف فقط عند حد رد العدوان ولكنها تحرص حرصاً بالغاً على إجتثاث القوة التى تشرع فى ملاحقتها اجتثاثاً تاماً.
ولهذا ربما يلاحظ البعض –بوضوح– تجنب قوات الجبهة الثورية منذ أسابيع القيام بأي خطوة تصعيدية فى مناطق القتال في جنوب كردفان. الوحيد الذي لم يصغ للقادة ولم يكترث للنتائج وقاده غروره الى احتلال بعض المناطق الشرقية بولاية شمال دارفور وهو المتمرد مناوي، أضطر لدفع ثمن غير مسبوق –بحسب اعترافات قادته الميدانيين– لينزوي فى ركن قصي محاولاً تضميد جراحه وتضميد جراح الشماتة التى حاصره بها قادة الثورية!

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة