مخرجات الحوار الوطني بين الإلزام والالتزام!

قبل أن تنعقد أول جمعية عمومية محضورة في السادس من ابريل 2014 بقاعة الصداقة بالخرطوم، كان الرئيس البشير وبمبادرة حرة منه قد أطلق التزام حكومته والتزامه هو كرئيس للجمهورية بقبول وإنفاذ مخرجات الحوار الوطني. وهذا الالتزام السياسي في الممارسة السياسية العامة في كل العالم يكفي وحده وفي حد ذاته -مهما كانت مطاعن البعض  ومخاوفهم منه- لإعطاء (ضمانة سياسية) تؤكد أن نتائج مخرجات الحوار الوطني ستجد طريقها إلى التنفيذ لا محالة.
ففي العمل السياسي ليس هناك أكثر من كلمة شرف. ولم يكن منطق الذين تشككوا في الأمر منذ البداية منطلقا أخلاقياً مستنداً إلى حقيقة. كان مجرد تشكيك ومحض ريبة ما يزال العديد من الخبراء والمراقبين يستغربون غاية الاستغراب بشأنها وعلى ذلك يمكننا القول إن نتائج ومخرجات الحوار الوطني –بلا أدنى شك– نافذة لا محالة ومن المستحيل تماما رفضها أو حتى المماطلة في تنفيذها.
كلمة الرئيس في هذا الصدد قائمة على أساس دستوري أقوى من أي قانون، ومن هذه الزاوية فإن حجية مخرجات الحوار ملموسة ومحسوسة، فهي حجية قوية جداً وهي ملزمة مهما كانت طبيعتها. هذا أمر مفروغ منه ولا نفع من معاودة التأكيد عليه.
لكن تثور المشكلة -استراتيجياً- من وجهة أخرى مغايرة تماماً وهي المتمثلة في مدى (التزام) الأطراف التي رفضت المشاركة في الحوار نفسه ومن جهة، والأطراف التي شاركت ولكن -لسبب أو آخر- لم تستطيع إيصال وجهة نظرها أو عجزت عن إقناع الآخرين بوجهة نظرها لتصبح واحدة من نتائج ومخرجات الحوار. في الواقع هنا تكمن المشكلة وهي مشكلة ذات أبعاد إستراتيجية خطير ومؤثرة، كيف ذلك؟
أولاً، إذا اعتقدت أي قوة سياسية أو مسلحة أن وجهة نظرها لم تجد العناية التي كانت هي تأملها فإن من المحتمل ألاّ تقبل بمخرجات الحوار، وهذا عين الخطأ وينبغي أن يفهم الأمر في سياقه هذا.
ليس من الضروري لمن شارك في عملية الحوار واتبع الطرق الحرة المتاحة في إيصال وجهة نظره وارتضى إجراءات اللجان والتصويت وكيفية صياغة وترتيب الآراء، أن يعتقد أن وجهة نظره أو مطالبة قد تم إسقاطها. الحوار عمل ديمقراطي، يلتزم فيه المشاركون بالآراء النهائية.
ثانياً، الذين لم يشاركوا -لأسباب تخصهم- فإن الممارسة السياسية في عمومياتها تحتم عليهم الالتزام بمخرجات الحوار، فالدعوة قدمت وهناك من شاركوا، فكيف إذن لمن رفض المشاركة -بغض النظر عن أسبابه- أن يتحجج على المشاركين بأنه لم يشارك ومن ثم غير ملتزم بما قرروه؟ الأمر هنا دقيق للغاية، إذ أن عدم الاعتراف بالنتائج النهائية قد يحرم المُعتًرِض من مزايا سياسية مهمة استحدثها الحوار، كما أنه في هذه الحالة قد يفسد على آخرين -بغير حق- تمتعهم بهذه المزايا وهو ما يعد ضد الممارسة السياسية الديمقراطية.
إذن مجمل القول أن قضية إلزامية الحوار، قضية تخص الحكومة بكل مكوناتها طالما أن الرئيس التزم مسبقاً بهذا الالتزام لأنه هو المخول بإنفاذ المخرجات. أما قضية الالتزام من جانب الآخرين -مشاركين وغير مشاركين- فهي وإن كانت تأخذ مشروعيتها من ذات المنبع، فإنها من المتوقع أن تصبح معضلة جديدة، ولهذا فإن من المهم والضروري أن تقوم لجنة 7+7 بإيضاح هذه النقطة الخطيرة والتحاور بشأنها قبل إبراز النتائج الأخيرة.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة