من المؤكد ان للمؤتمر الوطني الحاكم في السودان أسبابه ومعلوماته حين قال
إن جهات أجنبية هي التي أفشلت مفاوضات برلين، الاخيرة بين الحكومة
السودانية والحركة الشعبية قطاع الشمال. إذ ان أحداً لم يكن يساوره أدنى شك
ان الاختراق الذي تحقق في المفاوضات غير الرسمية بأديس أبابا التي سبقت
مفاوضات برلين سوف تكون بالضرورة واحداً من أهم معطيات انجاح مفاوضات برلين
ولهذا فحين تتنصل الحركة من التزاماتها السابقة وتخترع رؤى ومواقف جديدة،
فإن من غير المنطقي ان هذا التطور السالب جاء هكذا عفو الخاطر، ومحض قضاء
وقدر.
وبالطبع لسنا هنا بصدد البحث حول طبيعة ودوافع الجهات الخارجية
-وما أكثرها- التي تعيق تقدم هذه المفاوضات ووصولها لبر الأمان، فمن جهة
فإن مصالح هذه الجهات التي تدفعها لهذا المسلك واضحة ومعروفة، ومن جهة
ثانية، فإن الحكومة السودانية ربما كانت لديها أسبابها أيضاً في عدم
الافراط في الحديث عن هذه الجهات في الوقت الحاضر طالما كانت السياسة هي فن
الممكن وتؤثر فيها المتغيرات والظروف. ولكن بإمكاننا في هذه العجالة ان
نمعن النظر باتجاه اسباب اخرى تجعل الحركة الشعبية وباستمرار غير قادرة على
حسم موقفها وتحمل مسئولياتها سلماً أو حرباً.
أولاً، ربما كانت الحركة
الشعبية ترسخت لديها قناعة بأن من المستحيل عليها ان تحقق ما تحقق للحركة
الام في نيفاشا 2005 سواء بسبب اختلاف المعطيات او الظروف الاقليمية
والدولية، أو بسبب ان المفاوض الحكومي حرص منذ البداية على اغلاق اية ثغرات
كانت قد خلّفتها نيفاشا، وهذا معناه وببساطة شديدة ان الحركة الشعبية لن
يزيد ما تحققه في أية مفاوضات -مهما فعلت- عن ترتيبات أمنية وتكوين حزب
وخوض انتخابات عامة تخسرها او تكسبها.
ثانياً، شعور الحركة الواضح بأن
وزنها السياسي والعسكري -معاً- لا يؤهلها للحصول على مكاسب معتبرة يساوي ما
بذلته من نضال يجعلها تعزي نفسها بأن تنتظر متغيرات جذرية أو حتى معجزات!
ولهذا يلاحظ بوضوح انها تمارس فراً وكراً لم تدرك بعد مخاطره الجسيمة
عليها.
ثالثاً، ما ذكرناه في ثناياً أعلاه هو الذي دفعها وما يزال
يدفعها للبحث عن حلفاء سواء من بين القوى المسلحة (الحركات الدارفورية) أو
القوى السياسية الاخرى المؤثرة، وهو أمر فشلت فيه وليس أدل عليه من انهيار
ما كان يسمى بالجبهة الثورية، فسواء أدرك هؤلاء الحلفاء درس التجمع
الديمقراطي في التسعينات وكيف عبثت به الحركة الام وتركته وحيداً أو لم
يدركوا فإنهم على اية حالة لم يرق لهم هذا التحالف، كما لم تنجح الحركة في
اجتذابهم اليها.
رابعاً، الرابط القوي وغير الخفيّ بين الحركة والحركة
الام فى دولة الجنوب -تنظيمياً وعسكرياً- جعلها رهينة حتى النخاع بقرار
الحركة الأم، بل ومزاج الحركة الام إن لم يكن مزاج رئيسها ذي المزاج
المتقلب المثير للاستغراب.
وأخيراً فإن هناك دون شك مخاوف الحركة
الحقيقية من أن تعقد إتفاقاً مع الحكومة ثم يتعين عليها بعد ذلك ان تواجه
مخرجات الحوار الوطني وتصبح ملزمة لها وتفقد ما كسبته للتو!
وعلى
العموم فإن كل هذه الحسابات والأسباب يجب ألا نعزلها عن شبكة المصالح
الدولية وتقاطعات هذه المصالح. إذ ان هنالك قوى دولية معروفة من المهم
لديها استمرار الصراعات إما لبيع السلاح، أو لأغراض تخص استراتيجية خاصة
بها!
تعليقات
إرسال تعليق