الفيديو الانتخابي المفبرك وقصور في الخيال السينمائي!

الحادثة التي تم فيها ضبط عدد من الشبان وهم يقومون بتصوير فيديو مفبرك عن ما يُقال أنها عملية تزوير للانتخابات، يمكن اعتبارها قاصمة ظهر لمزاعم وإدعاءات قوى المعارضة بشأن العملية الانتخابية الوشيكة. ومع أن وقائع الحادثة ما تزال بعد، رهن التحري والتحقيق توطئة للدفع بها إلى المحاكمة، إلا أن ما تم الكشف عنه حتى الآن من خلال التحقيقات -وبصرف النظر عن التفاصيل- أمر مؤسف غاية الأسف ليس فقط لأنه (تزوير للتزوير) ولكن أيضاً لأن الجريمة التي تم ضبطها مزدوجة!
هي جريمة من جهة تزوير لحقائق واقع، ومن جهة ثانية صناعة إتهام ظالم تجاه مفوضية الانتخابات العامة ومرشحي العملية وإذا جاز لنا أن نصنف الواقعة سياسياً وجنائياً فهي من المؤكد الأولى من نوعها فى طول وعرض التاريخ السياسي والجنائي للسودان، إذ لم تسجل المضابط الجنائية فى التاريخ السياسي للسودان واقعة مماثلة على الإطلاق!
أما إذا ما أردنا التمعن فى الواقعة مقرونة بسلوك وممارسات بعض القوى المعارضة، فإن الأمر يثير القلق حقاً، فمن جهة أولى معنى هذا أن هناك مجموعات سياسية سودانية تعبث وتتلاعب بالأخلاق السياسية السودانية الوافرة الاحترام، وتؤسس لسلوك سياسي لا يأبه مطلقاً لقواعد الممارسة السلوكية السودانية النظيفة الراسخة في البلد والتي تمثل رأسماله الأكبر. فمثل هذا السلوك يرمي إلى إفساد كل شيء عرفته الإنسانية، والقضاء على أي قدر من المصداقية، وزعزعة ثقة الناس  كل شيء. 
ومن جهة ثانية فإن الذين فعلوا ذلك لم يضعوا اعتباراً للمستقبل، فما دام أنهم ابتدروا أمراً كهذا فما المانع من أن يصبح الأمر ديدناً لآخرين في المستقبل، وهكذا إلى أن تفقد العملية برمتها كل المصداقية! لمصلحة من يفعل هؤلاء أمراً خطير كهذا لا تقف خطورته في حدود العصر الحاضر وإنما قد تمتد إلى المستقبل فتصبح الممارسة الديمقراطية في السودان مسخاً شائهاً لا يريده أحد!؟
من جهة ثالثة فإن الواقعة كشفت عن أن الذين دبروها والذين اجترحوا الفكرة والذين وقفوا وراءها أغبياء وذلك ببساطة شديدة لأن من يريد أن يقدم على عملية تزوير يتحلّى بالقدر الكافي من الحرص والحذر الذي تستحيل معه عملية التصوير إذ أن كل من يرى الصورة والفيديو المفبرك وحالما يفوق من المفاجأة سرعان ما يتساءل عن الكيفية التي جرت عبرها عملية التصوير والإخراج؟
من جهة رابعة فإن الواقعة أيضاً تكشف عن غباء إضافي أكثر سطحية لأن (الأبطال) الذين يقومون بعملية التزوير المصورة، بل وحتى (الكومبارس) يمكن -بسهولة جداً- التعرف عليهم لأن ذات التقنية التي على أساسها جرت عملية الفبركة، تتيح وبغاية السهولة التوصل إلى ملامح وتقاطيع وجه الأبطال والكومبارس ومن ثم الوصول إلى (أصل اللعبة) و (منتج الفيلم)!
وأخيراً فإن الذين قاموا بهذه الفبركة فاتت عليهم –للأسف– حقائق موضوعية على قدر كبير من الأهمية، وهو إذا كان الفيديو هذا يوثق لعملية تزوير؛ ترى كم عملية تزوير يمكن تصويرها؟ عشرة، عشرين، ثلاثين؟ فإذا تم تصوير 30 عملية تزوير مثلاً هل تكفي هذه الـ30 لإبطال العملية الانتخابية برمتها أو القدح في صحتها؟. 
كما يتولد سؤال آخر من ذات هذه الفرضية، كيف ستجري عملية التزوير (على خلفية واحدة)؟ وهل اختار هؤلاء الأبطال (خلفيات عديدة) لإثبات عدة عمليات تزوير؟ الواقع إن الذين تورطوا في هذه الواقعة -حتى مع مهارتهم السينمائية- افتقروا  الخيال والإبداع المحكم، وكانوا على ما يبدو على عجلة من أمرهم لإلصاق تهمة كاذبة على السلطة الحاكمة، فلم يسعفهم الوقت ولم تسعفهم (المناظر) ولا اللوكيشن! أما منتج الفيلم الذي لزم الصمت ويأكله الآن القلق والتوجس فهو معروف بغبائه!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة