الانتخابات بين أبيي وحلايب

بقلم : خالد حسن كسلا
في كل الدوائر الانتخابية بالبلاد ما عدا منطقتي "أبيي" التي "تتسلبط" فيها الحركة الشعبية قطاع الجنوب، كانت الحركة الانتخابية تمضي بشكلها الطبيعي الذي هو اكتظاظ هنا وضعف هناك ومستوى اقتراعي بين الحالتين هنا وهناك.
لكن "حلايب".. فإن الدولة التي احتلتها تريدها بدون أهلها طبعاً لأنهم سودانيون من كل النواحي العرقية والثقافية والسحنية واللغوية. فهل تحتل أرضهم.. ولذلك كان من المفترض أن تتعامل معهم مثلما تتعامل مع الجالية السودانية في عاصمتها ومدنها الأخرى حينما تفسح لهم المجال لممارسة حقهم الانتخابي على أرضها.. حتى لا يفوتهم التصويت وهم خارج البلاد.
الآن سكان حلايب يتعرضون لتشويه هوية.. فالدولة المصرية لا تتعامل معهم كجالية بعد احتلال أرضهم الأرض السودانية طمعاً في ما بباطنها وليس في ما على ظهرها.. ولا تتعامل معهم كمواطنين مصريين من الدرجة الأولى وتقول إن ضم حلايب لسيادتها من أجل إنسان حلايب.
فالدولة المصرية من خلال إعلامها وبعض مطبوعاتها الصحفية تتحدث عن عدد أصناف المعادن داخل أرض حلايب.. إذن المهم عندها في حلايب تلك المعادن وليس الإنسان البجاوي السوداني. وسكان حلايب الآن يعيشون حالة اضطراب هوية.. فهم لا يستطيعون أن يحققوا الهدف الخفي للمصريين، وهو أن يتركوا لهم الأرض ويتجهوا جنوباً بسبب مشكلة الهوية التي أوقعهم فيها الاحتلال المصري "المباركي" الذي جدد الاحتلال "الناصري" لها، جدده عام 1994م في أجواء انتهازية معروفة طبعاً ويصبحون – أي سكان حلايب – مثل العبابدة من بئر طويل الذين نزحوا بسبب قحالة الارض هناك الى مناطق الرباطاب وغيرها. وهنا تحضرني معلومة تاريخية مهمة جداً هي أن السيد سعد العبادي كان في عهد الدولة المهدية وألياً على مناطق الرباطاب وحلايب، فقد عينه الخليفة عبد الله التعايشي، وكان مقره في بربر التي كانت تتبع لها إدارياً هذه المناطق. وكان من الطبيعي أن تكون "حلايب" تابعة لأراضي الدولة المهدية بحكم أن بها اثنيات سودانية بجاوية. لكن ليس الآن وقبل الآن ليس من الطبيعي أن تكون بعض مناطق النوبيين تابعة للدولة المصرية.. ولا لسبب واحد. والدولة المهدية بقيادة الخليفة عبد الله التعايشي لم تفتح حلايب وشلاتين، بل أن أهلها جزء من التركيبة الاجتماعية والثقافية والعرقية لأهل شرق السودان.. ولذلك تبقى حلايب مثل سنكات وسواكن وطوكر.. وليس مثل بورسعيد وسيناء.
إذن على سكان حلايب البشاريين بالذات أن يفهموا أن الاحتلال المصري لأراضيهم يريد فقط ما في باطن أرضهم من معادن، أما ما في سطحها من سكان فهؤلاء تستخدمهم الدولة المصرية مطية لجعل المنطقة مصرية (اوانطة).
أما أبيي.. فإن ما عليه جنوب السودان من حال أمني مزر الآن، سيجعل المثقفين من دينكا نقوك ينتبهون أو يركزون تماماً، وبخلاف أيوقت مضى، على المعلومات التي تؤكد تماماً أن أرض أبيي سودانية نوبية عربية مسيرية. ورب ضارة نافعة.
المفوضية ضحية حسن النية
أكثرت المفوضية القومية للانتخابات من عددية مراكز الاقتراع من أجل راحة الناخبين.. حتى لا يضطروا في شمس السودان الحارقة ومع ظروف عملهم، إلى أن يقطعوا مسافات ولو لم تكن بعيدة جداً.
لكن كانوا ضحية لحسن النية هذي حينما أضعفت كثرة المراكز مشاركة الناس في بعضها واستغلها المقاطعون للانتخابات بغير هدى ولا كتاب منير باعتبارها ضعفا في الإقبال.
وكان يمكن أن يكون عدد المراكز ثلاثة أرباع هذا العدد.. لكن المفوضية لم تكترث لإخراج صورة المراكز باكتظاظ الناخبين في وقت معين، ومعروف أن الفرصة يومان.. وإنما اهتمت براحة الناخبين وسهولة حركتهم وأجرها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة