طلبات المعارضة المتكررة بتأجيل الانتخابات ماذا وراءها؟!


من الأمور المثيرة للتساؤل والاستغراب، الطلب المتكرر من قبل قوى المعارضة بإلغاء أو تأجيل الانتخابات. القوى المعارضة ولفرط لهثها خلف هذا الطلب والضغط بشدة على الآلية الإفريقية الرفيعة بقيادة الرئيس ثامبو أمبيكي لعقد ملتقى تحضيري في أديس قبل أيام قلائل جداً من عمليات الاقتراع! 
من المفروغ منه أن قوى المعارضة ما تحمست لهذا الملتقى التحضيري مطلقاً إلاّ لكونه يأتي ضمن توقيت حرج يتيح لها الضغط باتجاه تأجيل العملية. السؤال الذي نطرحه للبحث والتدقيق في هذا التحليل هو، ما هو هدف القوى المعارضة من تأجيل الانتخابات العامة؟ وما هي الأسباب أو هذا الإلحاح المصحوب بالصراخ والدموع؟
الواقع إن أحداً ليس بوسعه إعطاء إجابة قاطعة في هذا الصدد؛ فإن قلنا إن هذه القوى غير مستعدة للعملية، فهذا دون شك سبب واهٍ، وذلك ببساطة لأن هذه الانتخابات ليست هي (آخر انتخابات عامة) في السودان، فهناك دورات قادمات، وعمر الدورة الواحدة لا يتعدى الخمسة أعوام وفق نصوص الدستور الانتقالي 2005م. لقد انتظرت قوى المعارضة سنوات عديدة من قبل وما الذي يحول بينها وبين إعداد نفسها إعداد محكم طوال الخمس سنوات المقبلة لخوض العملية المقبلة؟
وإذا قلنا إن هذه القوى لا تعترف بآليات الانتخابات العامة وفي مقدمتها مفوضية الانتخابات، فإن من المقطوع به إن اختيار أعضاء ورئيس المفوضية تم بالتشاور معها في وقت سابق ومن المعلومات الموثقة في هذا الصدد أن الدكتور الأصم رئيس المفوضية جاء إلى المفوضية باختيار حر ومباشر ومقترح قدمه رئيس حزب الأمة الصادق المهدي، والرجل لم يستطع إنكار ذلك حتى الآن وحتى ولو (غيرت) قوى المعارضة رأيها في رئيس وأعضاء المفوضية لسبب ولآخر كان متاحاً قبل الشروع في التحضير للعملية أن تقدم مطاعنها عليها وأن تطلب استبدالهم وهو طلب ما كان ليجد رفضاً من الحكومة طالما أنه في سياق حشد أكبر قدر من التوافق على العملية وآلياتها. 
وإن كانت حجج قوى المعارضة أن الوطني يهيمن على كل مفاصل الدولة من ثم فهو سيظل موجوداً في سدة السلطة مهما كانت نتائج العملية الانتخابية، فهذا في الواقع كان ينبغي أن يتحول إلى تحدي لدى قوى المعارضة تستخدم فيه مهاراتها السياسية فهي أحزاب خرجت إلى ميدان السياسة من اجل استخدام مهاراتها ولياقتها السياسية وطالما أنها ارتضت ذلك فإن عليها البحث عن وسيلة لإحداث اختراق في بناء الدولة ليصبح متوازناً -بحسب ما ترى- إذ ليس معقولاً ولا متعارفاً عليه في الميدان السياسي أن يظل اللاعب السياسي يطالب ويلح في الطلب وينتظر أن يقوم خصمه بتمرير الكرة إليه ويفتح له الطريق إلى المرمى لتلج كرته الشباك!
وإذا قلنا إن مأخذ القوى السياسية على العملية الانتخابية وجود قوى مسلحة في الأطراف تحمل قضايا تستوجب الحل، فإن التاريخ الوطني كان سيسجل لهذه القوى أسطراً من نور لو أنها -وبدلاً عن التحالف مع هذه القوى المسلحة - تمكنت من إقناعها بإلقاء السلاح والتحول إلى قوى سياسية سلمية. كان ولا يزال ممكناً أن تبذل هذه القوى جهدها في نقل القوى المسلحة إلى خانة القوى السياسية وتبرم معها تحالفاً وتخوض على أساسه العملية، فتلك هي مهارة العمل السياسي الحقيقية، أن تستخدم الوسائل السلمية والإمكانات المتاحة مهما كانت شاقة في الوصول إلى هدفك. 
ما من عاقل يمكن أن يحترم ويقدر حزباً سياسياً عريقاً أو حديث لا يقوم بأي عمل سياسي فيه مهارات وإبداع، بل يركن إلى المطالبات وينتظر خصمه أن يجود عليه! أما إذا قلنا أن القوى المعارضة تتهم خصمها الوطني بتزوير الانتخابات فقد كان بإمكانها أن تستحدث وسائل فاعلة -وهي متاحة- للحد من مثل هذا السلوك إذا كان صحيحاً؛ ليس حزباً محترماً من يركن إلى (اتهامات مسبقة) ويعزي نفسه بها.
وهكذا فإذا بحثتَ في كل طلبات التأجيل لن تجد فرضية منطقية وفي الغالب، تتمنى هذه القوى المغلوبة على أمرها أن تتأجل الانتخابات ثم تمطر السماء حلولاً ومعجزات!
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة