مفاوضات أديس.. والتوقيت السيئ!


بصرف النظر عن الأسباب التي ساقها حزب المؤتمر الوطني بشأن إمتناعه عن المشاركة في مفاوضات أديس أبابا بإشراف الآلية الإفريقية الرفيعة سواء اتفقنا أو اختلفنا مع تلك الأسباب، فإن من المستغرب أن تتم الدعوة لجولة تفاوض أو حتى مجرد الحوار والبلاد على وشك اجتياز استحقاق دستوري في ابريل الجاري!
في الغالب فأن أيّ حكومة في أي بلد تستعد لإجراء انتخابات عامة لا تكون لها رغبة في الالتزام أو إعطاء تنازلات في مثل هذه الظروف، فهي ظروف كما يعرف الجميع تتخذ فيها الأمور حالة سيولة ويصعب فيها بلورة رأي أو موقف! ومن المتعارف عليه على سبيل المثال في الولايات المتحدة أن لا أحداً هناك يقترب من أي ملف أو قضية -مهما كانت بساطتها- في الشهور والأسابيع  التي تسبق الانتخابات، فما بالك بقضية حوار وتفاوض لا تخلو من تعقيدات!
الآلية الإفريقية الرفيعة ربما كانت حسنة النية وهي تدفع بدعوتها للأطراف المعنية لحضور الجلسة، ولكن من المؤكد أنها لو أمعنت النظر جيداً في الجوانب المختلفة لهذه العملية لأدركت أن التوقيت ليس مناسباً على الإطلاق، ولا شك أن عدم مواءمة التوقيت يمكن القول انه مقصود من قبل الأطراف المعارضة الأخرى. بل باستطاعتنا الجزم أن الأطراف المعارضة الموجودة بالخارج كان هدفها الرئيس من عقد هذه الجولة في هذا التوقيت بالذات، أن تضغط باتجاه تأجيل العملية الانتخابية بشتى السبل، إذ لا تزال قوى المعارضة تراهن على عرقلة العملية الانتخابية مخافة أن تنجح ويفرض عليها واقع دستوري جديد يكتسب بموجبه خصمها الوطني شرعية جديدة تمتد لخمسة أعوام مقبلة، تعيدها من جديد إلى ذات واقعها الأليم.
وإذا كان من الصعب ومن غير المتصور أن تكون الآلية الإفريقية الرفيعة سايرت قوى المعارضة السودانية في اختيارها لهذا التوقيت أملاً في تأجيل العملية الانتخابية فإن من الصعب في ذات الوقت قبول منطق الآلية بعقد جولة حوار في أجواء انتخابية كهذه.
الحكومة السودانية من جانبها وحين رفضت على لسان أمينها السياسي الدكتور مصطفى عثمان حضور الجلسة لم تكن في حاجة للتمسك بالجوانب الشكلية المتعلقة بطريقة الدعوة والأطرف التي وجهت إليها؛ كان يكفيها الإشارة إلى أن المناخ الحالي في السودان مناخ انتخابات عامة لا تصلح معه مفاوضات وحوارات، كما أن الحكومة السودانية من الأساس هي الطرف الذي بادر بأطروحة الحوار منذ يناير 2014 وتسببت الشروط المتعسفة التي وضعتها القوى المعارضة في إطالة أمد الحوار وإفشاله بدرجة كبيرة. إذ لم يكن متصوراً أن يمتد الحوار لعام كامل، فالقضايا والمحاور الرئيسية للحوار كانت ولا تزال واضحة ومبسطة، وكان المطلوب فقط إبداء الاهتمام الكافي من قبل الأطراف المعنية. 
ولن يفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلى كل تصرفات القوى المعارضة والبيانات التي أخرجتها وعملية الاعتداء على منطقة "هبيلة" بجنوب كردفان من قبل قوات قطاع الشمال كانت مؤشرات ومحاولات يائسة للضغط على الخرطوم لوقف مجريات العملية الانتخابية!
أليس من المؤسف والمؤلم معاً أن يكون كل هدف القوى السياسية المعارضة بعد كل جهودها ومواقفها منصباً بالكامل على أمر تكتيكي يتمثل في تأجيل العملية الانتخابية؟ من الذي أعاق هذه القوى طوال خمسة أعوام من أن تستعد وتعد نفسها لخوض العملية الانتخابية بدلاً من محاولة عرقلتها؟ إن على القوى التي رفضت الحوار -طازجاً- في يناير 2014 أن تقتات من ما تبقى منه عقب الاستحقاق الانتخابي وقد تغير مذاقه ولونه وقيمته!
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة