العقوبات الاقتصادية والأمن القومي..

استضافت العاصمة السودانية الخرطوم الأسبوع الماضي إحدى أهم الفعاليات الإفريقية الصاعدة والتي تتمثل في ورشة لجنة أجهزة الأمن والمخابرات في أفريقيا المعروفة اختصاراً بـ(السيسا). انعقاد ورشة السيسا اكتسب أهيمته الإستراتيجية هذه المرة لأنها ناقشت -باستفاضة ودقة- أثر العقوبات الاقتصادية وتأثيرها على الأمن القومي الإفريقي. 
ولا شك أن الأوراق التي جرى تقديمها كانت فاعلة للغاية، إن لم يكن لشيء فعلى الأقل لأن السودان – المضيف للورشة – يمكن اعتباره أحد ابرز دول القارة الإفريقية تأثراً بهذه العقوبات. ففي نوفمبر 1997 وفي عهد الرئيس الديمقراطي (بيل كلنتون) صدر أول أمر تنقيذي حملَ الرقم (1367) بفرض عقوبات اقتصادية على السودان، ومنذ ذلك التاريخ ظل السودان – في كل عام – يتلقى تجديداً روتينياً من قبل واشنطن لهذه العقوبات. 
ومنذ ذلك التاريخ أيضاً تضررت قطاعات من السودانيين  ضرراً بالغاً بهذه العقوبات الأحادية الجانب بحيث كادت أن تقعد بكل الأوضاع الاقتصادية والإنتاجية بالسودان. وتشير التقارير التي تناولت أثر هذه العقوبات على الأمن القومي السوداني إلى امتداد أثر هذه العقوبات بداية من تأثر بنك السودان المركزي بها بسبب قلة عائدات النقد الأجنبي إضافة  الصعوبات التي تنجم عن التحويلات الخارجية وفقدان مبالغ حجزتها واشنطن استناداً إلى العقوبات هذه.
كما أن البنوك الأجنبية التي لها فروع في السودان أغلقت أبوابها فى السودان (سيتي بنك)، الذي غادر السودان عام 1998. هناك  أيضاً شركات أجنبية أخرى عديدة اضطرت لإنهاء أعمالها والمغادرة . كما أن البنوك السودانية فقدت علاقاتها مع بالبنوك الخارجية الأجنبية وفقدت التسهيلات الممنوحة لها.
أما على صعيد الاقتصاد فإن العقوبات رفعت معدلات التضخم وزاد عجز الموازنة والدين الخارجي كما تراجعت مؤشرات الاقتصاد الجاذبة  للاستثمار كما تدنى معدل النمو . أما في مضمار قطاع النقل فحدث ولا حرج فقد تراجع أداء الخطوط الجوية السودانية جراء منع قطع الغيار لطائرات البوينج الأمريكية وتكاثرت حوادث الطائرات كما توقفت عمليات بناء الطرق والجسور نظراً لغياب المعونة ومعدات البناء والجودة، كما تم خسران 83% من القطارات المصنّعة أمريكياً وأدى ذلك لإغلاق خطوط حديدية إستراتيجية ومهمة كما تراجعت قدرة النقل من 2.1 مليون طن في العام إلى 424.47 طن، أي بنسبة 80% من طاقة النقل عبر السكة الحديد!
وقد ارتفعت تبعاً لذلك كلفة النقل باستخدام الطريق البرية ما أدى لارتفاع أسعار السلع كما أن النقل البري لا يخلو من اعتداءات المتمردين بما يضاعف من حجم المشكلة . أما  القطاع الزراعي والذي يعتبر قطاع حيوي يتم الاعتماد عليه في السودان بنسبة 70% وهو محور الأمن الغذائي تسببت العقوبات في عدم الحصول على المعدات والآلات الزراعية الأمريكية الحديثة التي تسهم في رفع الإنتاج ما أقعد قطاع الصادر وعدم منافسته عالمياً. 
كما تأثر قطاع السكر تأثراً كبيراً. مجال الثروة الحيوانية تأثر أيضاً بغياب المعدات البيطرية الحديثة ومكافحة الأمراض والأوبئة وانحسار الصادر الحيواني إلى أمريكيا وأوربا جراء العقوبات. كما تأثر قطاع النقل البحري الأفضل في نقل الثروة الحيوانية حيث تراجع عدد السفن السودانية من 16 سنة  واحدة!
وفي مجال البترول تأثر الاقتصاد النفطي للسودان جراء العقوبات لأن الصناعة النفطية الأمريكية هي الأفضل من كل الجوانب، وفقد السودان كل تقانة النفط الأمريكية كما أن حظر التعامل مع البنوك الخارجية أدي لصعوبات فتح الاعتمادات والحصول على القروض الميسرة وكذا الأمر بالنسبة للتعدين. 
وأما  مجال التجارة الخارجية فإن العقوبات ألحقت عجزاً  بالميزان التجاري من العام2007م. وفى مجال الصحة برزت صعوبات استيراد المعدات الطبية الحديثة المساعدة على التشخيص وعدم توفر اللقاحات والأمصال والأدوية لبعض الأمراض الحديثة المعدية وكذلك الأمر بالنسبة لمجال المياه والكهرباء حثي تراجعت هذه المجالات لانسحاب الشركات المنفذة . 
أما على صعيد التعليم فإن العقوبات حرمت السودان من المنح التعليمية والتعاون الأكاديمي مع الجامعات الأمريكية والمعامل. وهكذا يمكن القول إن هذه العقوبات ما تركت مجالاً حيوياً من مجالات الحياة في السودان إلا ودخلت وأثرت فيه، وهذا يعني أن هذه العقوبات ترمي بشكل أو آخر  التأثير على الأمن القومي للسودان إما لإسقاط السلطة الحاكمة أو لخلق زعزعة داخلية جراء الأزمات التي أوجدتها، وهي بهذا الصدد يمكن اعتبارها عملاً شبيهاً بأعمال الحرب، إضافة  أن الضرر في الغالب يلحق بشعوب البلد بأكثر مما يفعل بالنسبة للحكومة، وهو ما يمكن اعتباره دون أدنى تردد تهديداً مباشراً ومقصوداً لأمن البلاد القومي!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة