ربح السودان وخسرت قوى المعارضة!

حتى الآن وقد مضى على الحملة الانتخابية اكثر من اسبوعين فإن المراقب المتابع للشأن السياسي السوداني يلاحظ بوضوح ان الحملة المضادة والتى كانت قوى المعارضة السودانية قد قررت القيام بها لاحباط العملية الانتخابية لم يبن لها أثر! وهو أمر متوقع وطبيعي ليس لأن الحملة الانتخابية قوية ومؤثرة، فالحملة الانتخابية حتى الآن تبدو عادية ولكن لأن القوى المعارضة نفسها وقعت فى خط إستراتيجي مميت حين قررت عرض نفسها على الجانب الآخر من الشارع السياسي باعتبارها قادرة على قول (لا)! فالمقارنة ما بين معسكري الحكومة والمعارضة معدومة بحكم ان الشارع السياسي السوداني اكثر ميلاً الى استخدام حقه الديمقراطي في ترسيخ قضية التداول السلمي للسلطة.
ولهذا فإن قوى المعارضة لم تنجح حتى الآن في ان تقنع جموع المواطنين والناخبين بوجهة نظرها الداعية لمقاطعة العملية الانتخابية فقد فات الاوان تماماً لأن مؤدى استجابة المواطنين لدعوة المقاطعة ان تنهار العملية السياسية السلمية برمتها وهذا من المستحيل ان يحدث في بلد كالسودان يتمتع أهله بوعي سياسي كبير.
الحملة الانتخابيية حتى الآن اظهرت حراكاً سياسياً ديمقراطياً واضحاً فالاجهزة الاعلامية التى يطلق عليها رسمية، تعلن وباستمرار عن برامج المرشحين، حيث جرى تخصيص وقت بالتساوي بينهم، كما ان الشوارع والاحياء المختلفة شهدت الاعلانات الانتخابية والملصقات التى تعلن عن المرشحين، وهذا يعني ان الحراك الانتخابي ماضي الى غاياته ليس فقط لأن الحكومة دعت اليه وحضت الموطنين على ممارسة حقوقهم؛ وليس أيضاً لأن هذه طبيعة الممارسة السياسية في السودان؛ ولكن أيضاً لأن قوى المعارضة السودانية اختارت أسوأ توقيت على الاطلاق للدعوة لمقاطعة العملية الانتخابية مستغلة طيبة وسماحة السودانيين .
على الجانب الآخر فإن قوى المعارضة ليتها استغلت السانحة  –طالما انها خارج العملية– لتعطي المواطن السوداني ولو لمرة واحدة انطباع جيد عن أنها (معارضة عملية جادة) أي بإمكانها المحافظة على استقرار البلاد وفى الوقت نفسه ممارسة حقها في الامتناع عن المشاركة فى العملية.
لو ان قوى المعارضة لزمت الصمت ومارست حقها في المعارضة بصمت لكانت ادعى الى اكتساب احترام الناخب السوداني. فالصمت في مثل هذه الحالات دلالة على الثقة بالنفس ودلالة على القدرة وعلى إمضاء الارادة السياسية المضادة، ولهذا أيضاً فإن مضي العملية الى نهاياتها هو دون شك بمثابة فشل عملي لرهان قوى المعارضة وهو أسوأ انواع الفشل، إذ ثبت الآن ان المرشحين ليسوا جميعهم –وعلى كافة المستويات– من منسوبي المؤتمر الوطني؛ هناك مرشحين مستقلين سواء على المستوى الرئاسي أو النيابي القومي او التشريعي الولائي.
هناك ايضاً مرشحين من حوالي 42 حزباً سودانياً مسجلاً ما يعني -بحساب بسيط- ان ثلثيّ السودانيين والكتلة الانتخابية هم الآن يشاركون فعلياً في العملية الانتخابية. اما قول البعض ان الحملة الانتخابية تبدو باردة بعض الشيء هذه المرة، هو زعم صحيح فى جزء منه وذلك مرده الى أمر مهم للغاية، ان الاحزاب المعارضة تخلت عن حقها فى الترشح لأسباب تتصل بإمكانية هزيمتها، كما تخلت عن تقديم الخيارت البديلة للناخب السوداني ظناً منها ان الناخب السوداني -مع أنه لا يؤيدها- إلا أنه بالمقابل لن يشارك فى  العملية ليسقط المعبد على الجميع.
السبب الآخر لبرود جزء من العملية الانتخابية فى هذه المرحلة ان الجميع يعقد مقارنة ما بينها وما بين العملية الانتخابية السابقة فى العام 2010 وتلك كانت أهميتها في وجود الحركة الشعبية ضمن المنافسين وكان الرهان أيضاً على تحفيز الحركة حتى تختار الوحدة بدلاً عن الانفصال، كما ان القوى المعارضة فى ذلك الحين كانت ما تزال بعيدة وغير مدركة بطبيعة المتغيرات التى طالت الساحة السياسية السودانية، وقلة مؤيديها ولهذا لوحظ ان البعض لم يفكر فى الانسحاب إلا في اللحظات الاخيرة بما يؤكد ان (قراءة متعمقة) قد جرت في اللحظات الاخيرة ودفعتهم دفعاً للانسحاب.
على كلٍ تظل العملية الانتخابية الحالية ماضية فى طريقها وربما تستعر الحملة الانتخابية على مشارف النهاية كعادة الجولات الانتخابية حين تقترب عملية الاقتراع.
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة