ما هو الهدف الاستراتيجي للسودان من وراء إتفاق المبادئ الخاص بسد النهضة؟

جهوداً شاقة ومضنية بذلها السودان طوال الخمسة أعوام التي انصرمت وهو يسعى  لخلق كيان اقتصادي إقليمي على ضفة النيل الشرقية يعطي هذه المنطقة الغنية بالموارد والثروات بريقاً اقتصادياً مميزاً، ولهذا وحين وضع الرؤساء الثلاثة توقيعاتهم وذيل إتفاق المبادئ الخاص بإنشاء سد النهضة ظهيرة الاثنين 23م مارس بالقصر الرئاسي المطل على النيل بالعاصمة السودانية الخرطوم كان للسودان في خضم هذه المراسم التاريخية احتفاؤه الخاص لأن ما تم انجازه علامة تاريخية فارقة في تاريخ المنطقة بأسرها. 
ومن المهم هنا إحقاقاً للحق أن نشير وبمنتهى الوضوح  إن السودان لعب الدور الرئيس الذي أفضى لهذه النتيجة، ولولا دوره ومثابرته لا أحد يعلم ما كانت سوف تؤول إليه الأمور  في منطقة بالغة الحساسية، مترعة بالمصالح الدولية المتداخلة ومحاطة بأعواد الثقاب. 
ولو كان السودان يسعى فقط -وفي حدود مسئوليته الدبلوماسية- لانجاز تفاهم مصري أثيوبي يزيل سوء الفهم المتبادل، الذي كاد أن يفقد الطرفين الثقة، فقد كان بوسعه أن يلتزم بالدبلوماسية البلاستيكية الجامدة ويحافظ على مصالحه ولا يهتم بالأمر كثيراً، فهو ليس معنياً بصفة مباشرة بأية أضرار مفترضة جراء المشروع الكبير. كما كان بوسع السودان -لو أراد أن يلعب لصالح أوراقه ومصالحه الخاصة- أن يستثمر في الخلاف غاية الاستثمار فليس أسهل من أن يحرك أوراق اللعبة حيال جاريه كلٌ بمعطياته واستحقاقاته، ويحصل -من كل طرف على حدا- على ما هو مطلوب فذاك هو منطق المصالح الذي تقوم عليه إجمالاً مقتضيات العلاقات الدولية، أن تضغط بأوراقك على الطرف المعين حتى يسلم لك ما تريد ثم تفعل ذات الشيء مع الطرف الآخر من المعادلة وتحصل على ما تريد. 
ولكن السودان -وهذا هو الأمر الأهم في الموقف كله- اختار المصلحة العامة المشتركة بين الجميع، وهي مصلحة نفعها أبقى وأرسخ، ويمتد  آماد بعيدة للغاية، وهذا ما جعل من موقف السودان من العملية برمتها أكبر من مجرد طرف نجح دبلوماسياً في التوفيق بين الطرفين المتنازعين، وهو أيضاً ما جعل السودان يهتمّ بصفة خاصة بروح الاتفاق وإعلان المبادئ بأكثر من نصوصه وبنوده. 
نظرة السودان الإستراتيجية التي لمسناها من خلال جهوده التي استمرت لـ5 أعوام ظلت وما تزال تدور فقط حول قضية مركزية أساسية، خلق كيان اقتصادي إقليمي قوى قائم على أسس قوية والخروج من ضيق اقتصاد الدولة إلى سعة الاقتصاد الإقليمي المشترك ذي الصبغة التكاملية التعاونية؛ فحين تنتج أثيوبيا من رحم السد حوالي 6000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية ويتوفر للسودان أكثر من نصف مليون ميل مربع من الأراضي المسطحة المنبسطة الصالحة للزراعة، وتمتلك جمهورية مصر خبرة زراعية وإرث إنتاجي جيد وأيدي عاملة خبيرة في هذا الجانب فإن الناتج الاقتصادي مهول بكل المقاييس. 
كما أنه حين تتوفر طاقة كهربائية بهذا القدر في هذه المنطقة التي تجمع بين الغابة والصحراء فإن الصناعة -بكل مجالاتها وأنواعها- تصبح واحدة من معالم المنطقة الرئيسية. السودان فى واقع الأمر كان يتطلع إلى انجاز كيان اقتصادي مؤثر فى المنطقة في عصر لا اعتراف فيه إلا بالكيانات الكبيرة، وربما يعرف الكثير من المراقبين كيف سعى السودان منذ أكثر من عامين لعقد اتفاق تعاون مشترك مع دولة جنوب السودان في الاتفاقية الشهيرة التي حملت ذات الإسم ولكن دولة الجنوب لم تدرك ولم تتدارك المغزى والمعنى!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة