الواقعية السياسية في الساحة السودانية.. الاتحادي الاصل نموذجاً!


سودان سفارى
على الرغم من الهجوم والانتقادات الحادة التى ظل يواجهها الحزب الاتحادي الاصل بزعامة الميرغني جراء مواقفه الاخيرة المهادنة للحكومة وفي بعض الاحيان متقاربة الى حد الشراكة مع الوطني، بل على الرغم من ان غالب تلك الانتقادات والتى تقال بمرارة تخرج من القيادات الوسيطة والكوادر المهمة في الحزب وتشوش بدرجة ما على الاستراتيجية التى يتبناها زعيم الحزب، على الرغم من كل ذلك إلا ان الموضوعية المجردة تقتضي ان نقر بأن قيادة الاتحادي الاصل إنما تمارس واقعية وعقلانية سياسية -للأسف الشديد- قلما تتعامل بها الاحزاب المعارضة السودانية. 
ولو جاز لنا اعطاء توصيف سياسي مختصر لحالة القوى السياسية السودانية البائسة حالياً فإن واحدة من أهم تعقيدات هذه القوى انها - وباختصار شديد- غير واقعية! ولكي لا نلقي القول على عواهنه فإن حزب مثل البعث بشقيه، من المؤكد انه يعرف ترتيبه السياسي بين القوى السياسية ويعرف أنه ذي طابع نخبوي، وأن منسوبيه ومهما كانت طبيعة اطروحاته ونضاله قليلون وربما ينحصرون في العاصمة وان فكر الحزب نفسه -كفكر عروبي- من الطبيعي ان ينحصر في عرق بشري معين ويستعصي على اعراق اخرى! 
حزب بهذه المعطيات لا يجد حرجاً في ان يرفع صوته مطالباً بتفكيك دولة الحزب وإقامة وضع انتقالي ويشترط –لاحظ يشترط- قبل اجراء أي حوار إلغاء القوانين المقيدة للحريات واطلاق الحريات وسلسلة مطولة من المطالبات! عدم الواقعية هنا -بكل موضوعية- إنما يعود الى ان الحزب غير مؤثر سياسياً بطبيعة وزنه ولم ينجح قط في اجتياز امتحانات الانتخابات المختلفة، ولم يصل حتى لدرجة الحصول على نائب أو إثنين وحتى الآن! 
أنظر الى الحزب الشيوعي وسقوط جوهر فكرته وتشظيه ومع ذلك يطالب -بملء فيه- بذات المطالب! ولعل الاكثر اسفاً في هذا الصدد ان هذه الكيانات الصغيرة تغضب وتثور اذا لم ينصاع لها قادة الاحزاب الاكبر وزناً!
وعودة الى الحزب الاتحاد الاصل فإن هذه الحزب قرأ الساحة السياسية بعقل مفتوح ووعي واضح، فالاتحادي الاصل وحتى حينما كان موحدا في العام 1986 في الانتخابات التعددية كان قد حل في المرتبة الثانية بعد حزب الامة القومي بزعامة المهدي والآن تشظى الحزب -بصرف النظر عن الأسباب- لحوالي 5 او 6 أحزبا اتحادية. 
من المؤكدان التحليل الموضوعي المتجرد في مثل هذه الحالة يشير الى ان الحزب تراجعت جماهيره وتراجع وزنه وهذه حقائق الاشياء كما قلنا بصرف النظر عن الاسباب وطالت الحزب مغيرات سياسية امتدت لما يجاوز الخمسة وعشرين عاماً! هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن اطروحات الحزب نفسها في المحصلة النهائية لا تتجاوز كثيراً اطروحات الوطني وليس أدل على ذلك من انسياب الشراكة فيما بينهما لأكثر من 3 أعوام دون أدنى مشاكل، وفي ذات الوقت فإن القوى المسلحة التى تثير نزاعات مسلحة على الاطراف والهامش لديها اجندات خاصة ومرتبطة بشكل أو آخر بقوى اجنبية وبعض الاحزاب مرتبطة هي الاخرى بهذه الكيانات المسلحة.
الحسابات السياسية تشير الى ان القوى المسلحة تسعى عاجلاً أم آجلاً لفرض رؤيتها بأسنة الرماح والسلاح مستغلة بعض القوى السياسية المغبونة والغافلة. الاتحادي الاصل أجرى حساباً موضوعياً للمعادلة وكان بالطبع عقلانياً في اختيار خيار اقل كلفة، فهو إن بقي في العاصمة دفع ثمن التحالف مع حملة السلاح وهو ثمن فادح  وهو إن ابتعد عن الساحة مات وقضى نحبه، كما أنه لا يدري طبيعة اوضاعه في معاقله التاريخية، إذن من الافضل ان يدخل تجربة الشراكة مع الوطني باعتبارها الخيار الاقل كلفة إذ من المؤكد ان الممارسة الديمقراطية سوف تتطور وتنمو في ظل وجوده في هذه الشراكة.
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة