عرمان في حيرة من أمره!


تعاسة سياسية مفاجئة ويبدو أنها لم تكن متوقعة يعيشها الآن ياسر عرمان جراء ما بدا أنها (قنوات اتصال سياسية جادة) بدأت للتو بين واشنطن والخرطوم ذلك ان العلاقة التى ضحى من أجلها عرمان بأيدلوجيته السياسية الحمراء واضطرته لنزع قميصه الكادح السابق وإرتداء البدلة الأنيقة الكاملة والتدرب على (الاصغاء الجيد) للخبراء المختصين فى وكالة المخابرات المركزية كانت علاقة لا تحتمل وجود الطرف السوداني على أحد طرفيها. 
عرمان لم يكن قد فعل ذلك كله لينتهي به المطاف فى خاتمته ليكون (مجرد صديق) للأمريكيين يستمع منهم للنصح، ويحرص على الاجابة على أسئلتهم التي أسر بها أقرب اصدقائه مؤخراً بالعاصمة الاثيوبية اديس بابا انها باتت تثير ضجره! عرمان رغم كل ذكائه السياسي وتقديراته كان رهانه على ان تظل المسافة متباعدة تماما  ما بين الخرطوم وواشنطن، على الاقل الى حين وصوله ورفاقه -يوما ما- الى السلطة في الخرطوم.
وتتجلى الآن تعاسة عرمان فى عدة أمور، أولها: ان التوجه الامريكي باتجاه محاولة معالجة القضايا الثنائية بين واشنطن والخرطوم -حتى ولو ببطء شديد- لم يأخذ به علماً من قبل، رغم كل الخطوط الساخنة التى يمتلكها الرجل مع صانعي قرار أمريكيين وموضع التعاسة هنا -كما أعرب عنها لصديقه المقرب المشار إليه- انه وطالما لم تتم احاطته علماً بالخطوة الامريكية فما المانع من أن يظل المدى الذي ربما تصل اليه هذه اللقاءات والاتصالات المباشرة الى حد يصعب عليه معه هو رفاقه إحتماله؟ 
ثانيهما: ان توقيت المحادثات نفسه بدا غير متوقع فالانتخابات السودانية المترقبة باتت وشيكة، ومثل هذا المسلك دون شك يمنح خصومه في الخرطوم ميزة سياسية وورقة قابلة للتداول السياسي! ولذا سيظل عرمان يسائل نفسه في اصرار عن حقيقة دوافع واشنطن فى اختيارها لهذا التوقيت الشديد الاهمية بالنسبة للمؤتمر الوطني على وجه الخصوص؟ وستظل الاجابة الشافية هي الاخرى بعيدة المنال ذلك ان عرمان ربما أدرك لأول مرة انه ومع كل اقترابه وحسن تعاونه مع الادارة الامريكية ماضياً وحاضراً إلا انه لا يمكن اعتباره عنصراً في صناعة القرار هناك. فالمصالح الامريكية بلا شك تظل هي المصالح الامريكية وصانع القرار فى واشنطن هو المسئول الامريكي وليس سواه!
ثالثاً: ان اكثر ما يثير قلق عرمان ان تكون لدى واشنطن (اجندة خفية) مع الخرطوم بشأن امكانية مساعدة الاخيرة في حل الازمة الجنوبية الجنوبية المستحكمة وهو أمر يبدو ان واشنطن تبحث له عن حل سريع وناجز مهما كان الثمن ولا تجد سوى الخرطوم! قلق عرمان هنا مردّه الى (أسلوب الصفقات) المعروف عن الأمريكيين، فربما يتحول هو نفسه ورفاقه الى جزء من صفقة ما! 
وأخيراً فإن عرمان فيما يبدو اعاد قراءة المواقف الامريكية السابقة حيال (حلفاء كثر) ألقت بهم الدولة العظمى في عرض البحر وواصلت رحلة صيدها لا تلوي على شيء! التاريخ الامريكي حافل بمثل هذه النماذج المتعددة التي كان من الممكن على عرمان -بدلاً عن المراهنة على ذكائه الشخصي- ان يضعها نصب عينيه، ولكن تلك هي مقتضيات السياسة ان تتغلب حقائق الواقع دائماً على كل الاحلام والتصورات!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة