المهدي.. ثمن باهظ للبقاء بالخارج وثمن أفدح في حالة العودة!

حزب الامة القومي الذي يتزعمه السيد الصادق المهدي يخسر باستمرار. فلو ان زعيمه المقيم في منفاه الاختياري بالخارج فكر فى العودة وعاد بالفعل فإن عليه دفع استحقاقات العودة الباهظة. أولها مواجهة تداعيات توقيعه على اتفاق باريس ونداء السودان مع الجبهة الثورية, وهي تداعيات للأسف الشديد لا تقتصر على الفاتورة القضائية كما يعتقد الكثيرون ومنهم المهدي نفسه، وإنما هي تداعيات تتعلق بكيفية المواءمة ما بين خط الحزب السياسي واتساقه مع قواعد اللعبة السياسية بالداخل سواء على صعيد تحالفات الحزب السياسية مع بقية الاحزاب، أو على صعيد علاقة الحزب مع الاحزاب الحاكمة، وفي مقدمتها المؤتمر الوطني. 
لو أن المهدي اصر على موقفه حيال تفاهماته مع الثورية فإن الرجل يخسر هو وحزبه سلاسة الممارسة السياسية السلمية المعتادة بالداخل؛ فقواعد اللعب السياسي لا تسمح لحزب من الاحزاب ان يحرك يديه ورجليه داخل الملعب، وفي الوقت نفسه يحرك (ذيله السياسي) في ملعب خارجي آخر! 
ما يسمى بقوى الاجماع الوطني التى كان الامة القومي ينتمي اليها في السابق لن تتحمل اعباؤه الجديدة إن لم يكن لشيء فعلي الاقل لأن الرجل فعل فعلته تلك منفرداً و(بليل) ودون التشاور مع حلفائه. قوى الاجماع نفسها أو ما تبقى منها ضاقت بها الساحة السياسية وتفرقت سواء لأسباب خاصة بالحوار والعملية الانتخابية، أو لأسباب تتصل بعدم اتساع ماعون التحالف لكل الرؤى والمواقف. 
السيد الصادق لن يجد كما كان في السابق أرضية مواتية للتحرك والمناورة عليها ولهذا فهو مجبر في خاتمة المطاف أما لاختيار العزلة السياسية أو الاستسلام للمؤتمر الوطني بالإقرار رسمياً بخطأ توقيعاته مع الثورية. 
ثاني التداعيات الباهظة ان حزب الامة القومي يواجه تحدياً سياسياً خطير للغاية يتمثل في خوض قوى سياسية معتبرة للعملية الانتخابية (الوطني، الاتحادي الأصل الحقيقة الفيدرالي، العدالة، بقية أحزاب الامة والاتحادي) ولو لم يكترث الحزب كثيراً بأي من هذه الاحزاب فمن المؤكد انه سيكترث ويتأثر للغاية بخوض الاتحادي الاصل بزعامة الميرغني للاستحقاق الانتخابي. 
الذين يعرفون طبيعة الامور فى حزب الامة القومي ويعرفون العوامل النفسية الخفية التى تتحكم في مزاج السيد الصادق المهدي وتؤثر عليه تأثيراً شديد ويعرفون مدى تأثير أي خطوة يقوم بها خصمهم التاريخي ونديدهم الحزب الاتحادي. شعور السيد الصادق ان الاتحادي الاصل بزعامة الميرغني يتقدم عليهم بخطوات ويمارس استراتيجية مختلفة وتكتيك سياسي ذكي، يجعله في حالة نفسية بالغة السوء، وليس أدل على ذلك من ان المهدي من منفاه الاختياري في القاهرة تكبد مشاق السفر قبل اشهر قلائل وطار الى لندن متوسلاً السيد الميرغني كي لا يخوض الانتخابات العامة! بل ليس ادل على ذلك من ان المهدي لم يسمح لابنه العقيد عبد الرحمن بالالتحاق بالقصر إلا حين أيقن ان ابن السيد محمد عثمان الميرغني قد سبقه الى هناك! 
ثالثة التداعيات جبهة الحزب الداخلية وقضايا النزاعات التنظيمية ما بين قرار قضائي واجب النفاذ بإعادة الامين العام للحزب المقال ابراهيم الامين الى موقعه، وما بين معالجة أزمة مجموعات التيار بزعامة مادبو، وما بين ايجاد صيغة ما لمعالجة ملف مبارك الفاضل، وما بين تأمين مقاعد لابنته مريم غير قابله للاهتزاز وما بين المحافظة على بقاء الحزب نفسه. أما في حالة بقاء المهدي فى منفاه بالخارج، فإن من المحتم ان وتيرة الخسائر سوف تتصاعد أكثر فالحزب سوف يتجمد تلقائياً في ظل الحراك الانتخابي الحالي.
كما أن من غير المستبعد ان تقع حركة انسلاخات فيه، كما أن المهدي نفسه ربما يواجه اجراءات قضائية وملاحقة من قبل الانتربول تحد من تحركاته، او ان تمنعه السلطات المصرية -كما بدأ يحدث بالفعل- من اي حراك سياسي. من المؤكد ان المهدي وحزبه الآن في مأزق تاريخي غير مسبوق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة