ما من كلمة حق اريد بها باطل مثل كلمة الإصلاح المتبادلة عبر الوسائط
الاعلامية كثيراً هذه الأيام من قبل مجموعات سياسية دخلت في خلاف تنظيمي مع
المؤتمر الوطني من داخله. وللحق فان الإصلاح السياسي والاقتصادي او
الاقتصادي او الاجتماعي او أياً كان أمر محمود ومطلوب اذ ما من عاقل يرفض
الإصلاح من حيث المبدأ فهو على الأقل يتيح واقعاً أفضل ويحدث نقلة من حال
الى حال. غير ان المؤسف وربما المؤلم في الأمر ان المجموعة التي تصادمت
رؤاها مع الوطني وهي جزء فيه جعلت حق هذا الإصلاح قميص عثمان ومع كونها
مدركة لمخاطر ما أحتفظته من نهج بدا متعالياً على الحزب باكمله وما يمكن ان
يفضي اليه موقفها من ماس بتماسك الحزب في ظل ظروف شديدة التعقيد إلا أنها
أثرت المضي في ما بداته غير عائبة بما قد ينجم عنه من آثار سالبة هي دون شك
تلقي بظلال سالبة على الوطن باكمله .
ودعاوي الإصلاح ليست جديدة في
التاريخ السياسي للأمم والشعوب فهي غالباً ما تنطلق من منصات تتظاهر
بالبراءة ونقاء السريرة ونظافة اليد .
ولدينا في التاريخ السياسي
للسودان نموزج قريب يبدو أن قادة الإصلاح لسبب أو لأخر نسوه أو تناسوه وهو
خروج مبارك الفاضل عن حزب الأمة القومي في العام 2001 وتكوينه لحزب اسماه
حزب الأمة الإصلاح والتجديد! تجربة مبارك الفاضل - للاسف الشديد- كانت
ميتة منذ صرخة الميلاد ولكنها مضت لتنتهي في النهاية نهاية مزرية حيث تمزق
الحزب الوليد نفسه وصار قطعاً صغيرة متناثرة. وكان أوضح ما في تجربة الفاضل
تلك أنها ارتكزت الي الإصلاح وانتهت بالفناء!!
ومن الواضح ان مرد ذلك
ان (المصلح) نفسه كان جزءاً من (المراد اصلاحه) اي انه كان جزءاً من الأزمة
ومن ثم كان من الصعب ان يكون جزءاً من الحل . ولعل اكثر مسببات وعوامل فشل
دعاوي الإصلاح المنطلقة من داخل الأحزاب السياسية:
أولاً: شعور
المصلحين شعوراً متضخماً أنهم (وحدهم) من يحملون بذرة الإصلاح وغيرهم معوق
لها ، هذا الشعور بالطبع ليس خاطئاً فحسب ولكنه فيه مبالغة لا مثيل لها
فالحزب - اي حزب – لا يمكن إصلاحه عبر أفراد يمكن تعدادهم على اصابع اليد
الواحدة فلو كان ذلك ممكناً وبهذه السهولة فان من المستحيل ان يولد حزب
ويبقى موجوداً في الساحة قويا معافى.
ثانياً: دعاة الإصلاح غالبا ما
يواتيهم شعور أنهم (الأفضل) وفي ذلك تجاوز لتاريخ الحزب وقياداته والتحديات
الماثلة امامه ، ففي النهاية فان اعضاء اي حزب هم (جزء) من (كل) ودعوتهم
للإصلاح هي مجرد رأي ينبغي إلا يكون (رأياً مفروضاً) علي الحزب لان الحزب
ببساطة لديه أجهزة تياريه ولوائح ونظم وطرق محددة للتعامل.
ثالثاً:
أسوأ ما في دعاوي الإصلاح أنها تنظر إلي دعوتها الإصلاحية باعتبارها (أما
هذه أو الطوفان) وهو أمر وأضح أنه لا يتسق مع طبيعة الأمور، فالرأي يظل
رأياً، ويمكن في الحزب الواحد أن توجد مئات الآراء كلها بحسب رأي أصحابها
صحيحة فالذي يجعل رأي هؤلاء أفضل من أولئك؟.
وهكذا فإن دعاوي الإصلاح
ما هي سوي وسيلة للقفز فوق حقائق الواقع واستباق النتائج والشعور المتعاظم
بصحة الرأي وعدم وجود رأي مخالف له وهذه لعمري هي أكبر مهلكلات دعاة
الإصلاح!!.
تعليقات
إرسال تعليق