حادثة جنائية مهما – بلغت بشاعتها وغرابتها – فهي دون شك لن تخرج عن نطاق
الحوادث الاجتماعية التي تحدث بين حين وآخر في أي مجتمع من المجتمعات
والسودان علي أية حال ليس استثناءً فيها ، قادت هذه الحادثة – التي لا نقلل
منها ومن أبعادها – إلي مواجهات عنيفة بين قوات الشرطة ومحتجين في مدينة
أبو حمد شمالي السودان ، الأسبوع المنصرم . وأسفرت المواجهات عن إصابة
شخصين ، من الطرفين ، شخص من المواطنين وآخر من قوات الشرطة . ومع ضاَلة
هذا العدد من الضحايا بالنظر إلي طبيعة المواجهات والشحن الزائد في الغضب
وشدة الاحتجاج ، فإن الأمر في جوهره بدا مستفرداً بعض الشيء ، إذا أن
الحادثة لم تزد عن كونها قيام مخمور بتسوّر أسوار داخلية للطالبات وطعن
طالبة بحديده حين فشل في الاعتداء عليها . وكان من الممكن – كأمر طبيعي –
أن تتخذ الشرطة الإجراءات اللازمة في مثل هذه الأحوال وليلقي الجاني جزاؤه
أمام المحكمة المختصة ، ولكن اندفاع المواطنين – رغم كل احترامنا وتقديرنا
لمشاعرهم – أجّج الموقف وحوله إلي ( مسخ ) من الصعب تجاوزه إذا تناولنا
الحادثة بالتحليل . فمن جهة أولي فان حق الاحتجاج والتظاهر بصفة عامه لا
احد يرفضه أو يحجر عليه فهو حق دستوري ومن صميم حقوق الناس الأساسية . ولكن
بالمقابل فان الفارق جوهري ما بين التظاهر الاحتجاجي – بأي درجة غضب كان –
وما بين التظاهر التخريبي الذي يقوم بصفة خاصة علي أساس ( حرق الممتلكات )
عامة كانت أو خاصة . وكان المشهد مؤسفاً للغاية وقد اعتقد المحتجون إن
الممتلكات العامة والخاصة في ظل حالة الغضب هذه أصبحت مباحة وفي متناول
اليد ، وان حق التظاهر يعتد كأمر مشروع إلي حرق وإتلاف هذه الملكيات العامة
والخاصة . وكان امرأ مؤسفاً أن تمتد السنة اللهب الحمراء إلي أطراف سوق
المدينة منذرةً بكارثة محققة وكان أمراً مستخباً للغاية أن يتحول الاحتجاج
إلي حرب تأكل الأخضر واليابس من قوت المدينة .
من جهة ثانية فإن
المحتجين وقد تجاوزوا الحد الفاصل بين الاحتجاج والفوضى اجبروا قوات الشرطة
إجبارا علي محاولة إيقاف مد الاحتجاجات لخطورة مآلاتها ونتائجها والتي
ربما كانت وصلت إلي مواجهة أهلية جراء التخريب .
من جهة ثالثة لا يعرف
احد ما هي الحكمة من أن يكون أي احتجاج شعبي مصحوباً بعمليات تخريب بالغة ؟
لقد جري هذا الأمر قبل أسابيع قلائل علي خلفية الإجراءات الاقتصادية التي
اتخذتها الحكومة السودانية مؤخراً . بحيث عاد ذات المحتجين وكافة قطاعات
المواطنين لشجب وإدانة بل الحياء والخجل مما جري من حرق وتدمير للملكيات
العامة والخاصة ؟ إن من المؤكّد أن عمليات التدمير والحرق والفوضى لا يمكن
تسميتها احتجاجاً ، كما لا يمكن للسلطات المعنية أن تقف مكتوفة الأيدي حيال
أمر كهذا ، إضافة إلي أن الحديث عن ( دخلاء ) أو قادمين لمناطق تعدين
الذهب ليس فيه ( حصافة وطنية ) طالما كنا حيال وطن سوداني واحد هو حق مشاع
للجميع . نخشى أن نقول إن الاحتجاج من الأساس لم يقم علي أساس وطني متوازن
وإن وجدنا العذر للغاضبين علي شرف المنطقة ! .
تعليقات
إرسال تعليق