لا يدري احد ماذا كان يعتمل في أذهان الوفدين المفاوضين وهم يحاولون وضع
منشار الحل علي عقدة المشكلة في العام 2004 والاَمال يومها تتصاعد بقرب
حلول السلام في السودان .
فقد كانت أبي حينها علي أية حال شأنها شأن أية
مدينة سودانية واعدة ، ساكنة ، هادئة يعيش فيها دينكانوك جنباً إلى جنب مع
القبائل المسيرية وقبائل أخري عديدة وأن حاول دينكانوك مؤخراً تجاهل هذه
الأشياء التي لا تخلو منها مدينة سودانية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً
ووسطاً ، ونقول لا يدري أحد ماذا كان يدور في أذهان وفدي التفاوض من جانب
الحكومة والحركة الشعبية حين وضع الطرفان أولي ملامح الحل في منطقة أبي ،
فقد كانت ولا تزال المنطقة القنية بالنفط أرضاً سودانية ، تقع في عمق
السافنا السودانية القنية ، تلج برفق إلى محيط الأرض الكردفانية بسهولها
المنبسطة ووديانها الندية .
ولعل أغرب ما في أزمة أبي التي وضع أول
إتفاق لها في العام 2004 عرف ببروتوكول أبي 2004 أنها أرض سودانية تقع في
الجانب الشمالي من حدود 1956 الفاصلة بين السودان وجنوب السودان ولا يجادل
أحد أنها كذلك .
ومع ذلك فحين تم وضع البروتوكول أتيحت فيه فرصة لأهل
المنطقة لاختيار الانضمام الذين يريدونه شمالاً أم جنوباً .ومن المؤكد أن
هذه بالضبط هي أزمة المثلث الذي يتخوف الكثيرون من أن يتحول إلى كشمير
سودانية ، فهو أعطي أهل المنطقة الاختيار انطلاقاً من أنه أرض سودانية تقع
خارج نطاق الإقليم الجنوبي ! وبداهة إذا كانت أبي تقع ضمن حدود الجنوب لما
أحتاج الأحد إلى بروتوكول واستفتاء وتقرير مصير .
وعلي ذلك وبصرف النظر
عن دواعي ما دار في الأذهان وما إذا كان الأمر يتعلق بخطأ في الحسابات ، أو
محاولة تعزيز الثقة ، أو عربون للحلول ، فإن أول ما يلفت النظر في هذا
الصدد أولاً : أن أبي كانت أرضاً خارج نطاق الإقليم الجنوبي وأن أكثر ما
قاد إلى إدخالها ضمن الاستفتاء علي تقرير المصير هو وجود دينكانوك باعتبار
أن الدينكا من قبائل الجنوب ، وبالطبع لولا ذلك لما ألتفت إليها أحد .
الأمر
الثاني : أن أفضل وقت تم تحديده للاستفتاء أن يأتي متزامناً حينها مع
استفتاء تقرير مصير جنوب السودان فقد كان التوافق كاملاً بين الطرفين ،
جنوباً وشمالاً وكان من شأن ذلك أن يسهل العملية وما كان لأحد أن يحس بوطأة
الأزمة طالما أنها تجري ضمن إطار الحل الاستراتيجي الشامل .
الأمر
الثالث : أن أبي علي أية حال وفي كل الأحوال مجرد ارض سودانية لسبب أو لأخر
أدي وجود الدينكا فيها للفت الأنظار لخصوصيتها ، ومن شأن النظر بعين ثانية
إلى تلك الخصوصية أن يتيح للطرفين معالجة الأزمة في إطارها الأتي كمنطقة
تعايش وليست قضية أرض يراد نقلها بما عليها من دولة إلى دولة أخري .
وعلي
هذا الأساس فإن حل أزمة أبي أياً كانت المعطيات والظروف هو حل اجتماعي قبل
أن يكون سياسي جغرافي إذ ليس من السهل تغير طبيعة منطقة ونقلها حال إلى
حال بهذه البساطة .
وأما إذا ما مضي دينكانوك ومن يقف خلفهم باتجاه
التصلب في المواقف والإصرار علي تحصيل حاصل ساذج بالاعتقاد أن دينكانوك
مواطنون جنوبيون وينبغي ترحيلهم إلى الجنوب ، فإن من المؤكد أن هذا
الاعتقاد إنما يقود حتماً إلى صدام محتوم لا رابح فيه ولا منتصر أو مهزوم
وإنما هي حرب تلك الدائرة الجهنمية القذرة التى لا تبقي ولا تذر !! .
تعليقات
إرسال تعليق