العقوبات المضادة!!

كما رأينا في نموذج منح الترخيص لشركة جنرال الأمريكية للعمل في السودان فإن العقوبات الاقتصادية علي السودان في الواقع ليست عقوبات اقتصادية قائمة علي قواعد وأهداف معينة، فهي عقوبات سياسية في المقام الأول تتيح لواشنطن – متي شاءت وبحسب مزاجها – أن تتحكم في مساحة التحرك السياسي والاقتصادي السوداني بالدرجة التي تتيح لها إحكام سيطرتها عليه.
ولعل الفقه القانوني الدولي عرف في الماضي القريب والحاضر القائم عقوبات دولية تفرضها الأمم المتحدة علي الدول التي تخالف قرارات مجلس الأمن الدولي وترتكب أخطاء جسيمه في هذا الصدد.
ولكن الفقه الدولي في ذات الوقت لم يعرف مطلقاً عقوبات تفرضها دولة علي دولة أخري!!
ولعل المفارقة هنا أن العلاقات الدولية كما هو معروف قائمة علي الأعراف والتقاليد الدولية وأهمها في هذا المنحي مبدأ المعاملة بالمثل، ولهذا فإن مما يبدو أنه فات علي الدولة الأمريكية – رغم ضخامتها وقوتها – وأنها رغم كل صولجانها وزخمها – ربما احتاجت للتعامل مع الدولة التي تفرض عليها عقوبات.
المشكلة هنا فقط في أن الدول علي نطاق العالم لم تجرب خوض التجربة بحيث تطال عقوبات مضادة، العقوبات الامريكية تجعل اليانكي يصرخ! ومن الواضح هنا بحسب تجربة شركة جنرال رغم هناك نماذج سابقة لحالات مختلفة استثني مكتب المقاطعة فيها شركات أمريكية من العقوبات وكم لها بالتعامل مع السودان أن هذه العقوبات – في خاتمة المطاف – خاضعة لظروف وتقديرات خاصة لدي الإدارة الامريكية!
بمعني أدق فإن واشنطن تحجب عن الدولة المعاقبة وما تريد حجبه وبالمقابل تحصل منها علي ما تريد أن تحصل عليه وهو أمر شبيه بمكن ينشئ جداراً عازلاً بينك وبينه ثم يضع – من جانبه – نفاجاً لكي يحصل منه علي ما يريد منك وفي بعض أحيان يسمح – بحسب حاجته – لما تريد أن يمضي إليك ولكن بقدر!! مضمون ومحتوي هذا المنطق الأمريكي المعوج، شعور واشنطن أنها دولة قادرة بينما الآخرون ليسوا قادرين، وهذه قضية يمكن حسمها لصالح الدولة المعاقبة أذا توفرت إرادة قوية، إذ ليس من العدالة في شئ أن تعاقب دولة، دولة أخري ولا يتسن للأخيرة ممارسة عقاب مضاد!!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة