لم يطق عدد من السودانيين البقاء في حالة صمتهم ودخلوا في مشادة
كلامية حامية الوطيس
مع (آمال الطويل) المصرية التي يسبقها توصيف (الخبيرة
في القضاياء السودانية) الطويل كانت تتحدث ساعتها في ندوة تتناول العلاقات
الثقافية بين السودان ومصر، المشادة كان سببها نسيان الطويل لبعض أسماء
المسؤولين السودانيين منهم (عبد الرحيم حسين – علي عثمان محمد طه) حيث
قالت: “كان وزير الداخلية فكروني اسمه حاجة حسين، ومحمد طه” واعتبر الهندي
عز الدين رئيس تحرير (المجهر) أن ذلك جهل بالسودان قائلا لها: “أنت خبيرة
في الشأن السوداني فكيف لا تعلمين أسماء هؤلاء المسؤولين؟”، كما استاء
الحضور من تساؤل الطويل: لماذا تصالح السودان مع المستعمر ولم يتصالح مع
مصر؟، ويبدو أن الحضور كان يحمل للطويل انتقادها للسودان في مداخلاتها على
الفضائيات ولذلك جاء الاستياء والرد عليها قويا وكبيرا. ربما ما جرى في
الندوة يعطي الانطباع التام عما يجري بين السودان ومصر ومستقبل العلاقات
بين شركاء الوادي.
1
الأسبوع الفائت كان وفد شعبي سوداني يهبط في
القاهرة برئاسة البروفيسور علي شمو ويضم أحمد عبد الرحمن وعددا من رؤساء
تحرير الصحف وفنانين ورجال أعمال وذلك من أجل توطيد العلاقات بين الخرطوم
والقاهرة أو بين السودانيين والمصريين يبعث به ساعتها مجلس الصداقة الشعبية
بالسودان وتستقبله وزارة الثقافة بمصر. على شرف هذه الزيارة استضاف المجلس
الأعلى للثقافة بدار الأوبرا ندوة العلاقات السودانية المصرية تحدث فيها
شمو وأحمد عبد الرحمن عن الجانب السوداني والدكتورة أماني الطويل مديرة
البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، والدكتورة حنان
يوسف أستاذ الإعلام ورئيسة مبادرة النيل الشعبية بين مصر والسودان عن
الجانب المصري، وأدار الندوة السفير سمير حسني مدير إدارة أفريقيا والتعاون
العربي الأفريقي بالجامعة العربية السابق متناولين مجمل العلاقات ما
يدعمها وما يعترضها.
2
ابتدر الحديث بروف شمو معربا عن سعادته
بالوجود في هذا اللقاء لمناقشة موضوع يهم وادي النيل. وقال شمو إن العلاقات
بين مصر والسودان مرت بأزمات كثيرة يختلف فيها السياسيون ويتصالحون، لكن
ينبغي أن يظل الإعلام بعيدا عن هذه الخلافات، مضيفا: أنا مدين لمصر متذكرا
شبابه وتعليمه بالقاهرة قائلاً إنه في عام 1953 بدأ عمله بالإذاعة المصرية،
وأنه لم يكن يسمع عن حدود بين البلدين، فكان لا يوجد جواز سفر، ولم نكن
نشعر أننا غرباء في مصر أو أننا في بلد آخر، وتابع نأسف أنه بعد كل هذه
السنين نعمل الآن على الرتق الذي أحدثه بعض الإشكاليات، مؤكدا أن الوفد
الشعبي السوداني جاء إلى مصر لمزيد من تطبيع بعيدا عن أي خلاف سياسي، فيجمع
بيننا نفس الثقافة والتاريخ والحضارة، وقال إننا لم نبدأ المعاناة إلا قبل
الاستقلال بلحظات، مضيفا: نحن كمثقفين ليست لنا علاقة بالسياسة ولا نمثل
الحكومة، وقررنا أن الخلافات السياسية لن تستمر لهذا نتحاور مع بعضنا
ونتجاوز كل القوى السياسية، وزاد: جئنا إلى مصر حريصين أن نقول للشعب
المصري في شمال الوادي إنه مهما حدث ينبغي أن نحافظ على النسيج القوي
ونتحدى حتى الذين يسوسوننا ونؤكد لهم أننا أصحاب الوطن.
3
أماني
الطويل تحدثت من جانبها بأن العلاقات ما زالت أسيرة للتاريخ وإن بها مكونين
أحدهما عاطفي والآخر للمصالح، مضيفة أن مكون المصالح لم نتحدث عنه أحيانا
لتقاطع المصالح، مؤكدة أن العلاقات بين مصر والسودان مأزومة منذ الاستقلال
وكان بها عامل خارجي في كل محطة تاريخية مرت بها، ولفتت لأن السودان لم
يدرك أنه تغير بعد الاستقلال، وقالت: نتقاطع في الحدود والمياه وهناك موروث
سلبي نحن مسجونون فيه، وتساءلت: هل هناك مصلحة سودانية في العداء مع مصر؟،
مضيفة: نحتاج إلى حوار اجتماعي بين البلدين ليس اجتماعًا لنخب بل من قبل
مجتمع مدني، ولهذا علينا أن نبحث عن المصالح المشتركة بين البلدين، مشيرة
لأن المكونات التقليدية الإنسانية تتعرض للاهتراء بسبب تقاطع المصالح،
مؤكدة أن هناك مسؤولية مشتركة من الطرفين لمقاومة تردي العلاقات، وقالت:
علينا أن نكتشف أسباب توتر العلاقات، ورأت أن الموقف في السودان تجاه مصر
يؤخذ من باب الوطنية وأن هناك نوعا من أنواع العداء من الشباب السوداني
لمصر، ولا يوجد في السودان من يفهم مصر، معربة عن أملها في تجاوز الأزمات،
وقالت إن الملفات الخلافية تأخذ حيزا متفقا عليه، وإن ملفات المصالح يجب
التركيز عليها، ورفضت في الوقت نفسه منع صحفيين من دخول القاهرة، وقالت:
مصر لن تضر حتى لو هاجمها كاتب أو انتقدها، وطالبت بعدم التعامل بهذه
الطريقة مع الصحفيين السودانيين، أماني تساءلت بشكل آثار حفيظة الحضور
قائلة: لماذا يتصالح السودان مع المستعمر ولم يتصالح مع مصر، وهل من
المصلحة أن نظل في هذا الموروث؟، وقالت: يجب أن ننطلق نحو المستقبل.
4
وقال
الأستاذ أحمد عبد الرحمن: ما نراه من توترات بين البلدين طبيعي أن يحدث
داخل الأسرة الواحدة، مؤكدا أن: التوترات فوقية في العلاقات وأن العواطف
يجب أن تنحى جانبا فهناك قضايا تحتاج إلى حل، وأن هناك قضايا إقليمية فى
الداخل والخارج، تسببت فى حدوث مشكلات عديدة، حتى تحل يجب أن نجلس على
طاولة واحدة، ونناقش المشاكل بكل صراحة ووضوح وواقعية، مضيفًا: نحن محتاجون
لإعلام قوي لتعزيز العلاقات بين البلدين، لافتا إلى وجود تراجع مصري في
السودان لصالح جنسيات أخرى حلت مكانه، وقال إن أخطر سلاح هو المعلومات
ومطلوب من النخب أن تفكر في أولويات، هناك إمكانات هائلة ويجب الانفتاح
لتحقيق تنمية إقليمية، لافتا إلى ضرورة وجود عقول للتفكير في التنمية في
زمن يتغير باستمرار، وقال إن الفجوة بين الأجهزة الحاكمة والشعوب كانت سببا
في ضعف القرار.
وطالب الدكتور إبراهيم نصر الدين الأستاذ في معهد
الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة والخبير الأفريقي بمصر مدافعا عن مصر
بحدة قائلا: مصر لم تتصالح مع إسرائيل، أتحدث عن الشعب ومصالحه، مطالبا
بإبعاد مشاكل النخب عن الشعوب، وقال: العتاب على النخب في هذه العلاقة ويجب
أن تبتعد هذه النخب عن مصالح الشعوب، متنصلا من انتمائه لهذه النخب قائلا:
أنا بريء من هذا العمل وأنحاز للشعوب.
كما تحدث مصطفى أبو العزائم رئيس
تحرير (الأخبار) قائلا إن هناك تباعدا بين الأجيال في البلدين، مؤكدا أن
هناك أيادي خفية لا تريد أن تقوى هذه العلاقات أو يقوى السودان أو تقوى
مصر.
5
حنان يوسف أكدت من جانبها أن الإعلام بشكل عام يؤذي العلاقات
بين مصر والسودان، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي والذي وصل فيها إلى
مرحلة الملاسنات والتراشق، وقالت إن هناك حساسية شديدة في العلاقات نتيجة
موروث سلبي وهو ما يؤثر على مسارات التقدم، مشبهة العلاقات بين مصر
والسودان ببندول الساعة الذي دائما ما يتأرجح، ولفتت إلى أن الجيل القديم
يفهم العلاقة بين البلدين جيدا ويضمن تقدمها، وإلى أن ما يحدث مؤخرا من
مشاكل أثر على الشباب في البلدين، موضحة أن هناك صورا ذهنية سلبية لكل بلد
عن الآخر وأن الإعلام ساهم كثيرا في تكريس هذه الصورة مما أثر وكرس مناخا
للعداء، مشيرة لأن الدراسات عن ذلك نادرة جدا على المستوى الأكاديمي وأن
هذا أدى إلى عزوف البعض عن فتح هذا الملف، مؤكدة أن الدراسات والبحوث
العلمي من المهم جدا أن تبحث الحالة المصرية السودانية لأن نتائجها مهمة
ويجب أن تكون شفافة لأنها بحوث علمية بعيدة عن الانحياز لطرف على حساب
الآخر، وقدمت يوسف دراسة عن العلاقة بين البلدين أجرتها على شريحة من
المصريين والسودانين قائلة: وجدت أن الشعبين بهما الكثير من الإيجابيات
وبعض الصفات السلبية وهذا أمر طبيعي، مضيفة أن هناك قاسما مشتركا لكل من
الطرفين وهو تقدير العلاقات الإنسانية، مستدركة في الوقت نفسه بأن هناك
اختلافا في ترتيب مصفوفة القضايا بين البلدين؛ ففي السودان مثلا يهمهم
ترسيم الحدود أما في مصر فتهمهم قضايا المياه وسد النهضة، وتابعت: هذا
التباين يحتاج إلى تفسير ومن المفترض أن يساعد الإعلام في صنع قواسم
مشتركة.
6
أما عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان بالقاهرة والذي
حضر الندورة فأكد أن العلاقات بين البلدين عصفت بها الأجواء، وقال: كنا نعد
الشعب حاميا لهذه العلاقة ولكنه يساق إلى منطقة الخطورة بنزول المشاكل
للقواعد، مضيفا: من أهم أسباب تردي العلاقات عدم الإفصاح عن المسكوت عنه،
وردا على أماني الطويل بأن السودان صالح المستعمر ولم يصالح مصر قال عبد
المحمود إن مصر سامحت إسرائيل ولم تسامح السودان، وإن السودان ظل يقدم يد
العون لمصر وإن الرئيس البشير نفسه شارك في حرب أكتوبر، في حين أن مصر ما
زالت لم تتعاون في بعض القضايا العالقة مع السودان مثل قضايا الحدود،
مطالبا بضرورة وجود مدونة سلوك تحكم العلاقة بين البلدين، مشيرا لأن لقاء
أديس أبابا بين الرئيسين البشير والسيسي على هامش اجتماعات القمة الأفريقية
نهاية يناير الماضي اقترب كثيرا من هذه المدونة، مؤكدا أن هذا اللقاء ساهم
في تعزيز المصالح والمشتركات وعدم التدخل في شؤون الآخر، والبعد عن
العواطف والتحدث بوضوح وصراحة، وقال إن اللقاء قرر تكوين الآلية الرباعية
بين البلدين، مؤكدا أن هذه الآلية تبشر بأن هناك ضوءا في نهاية النفق،
مضيفا: هناك علاقات مستمرة بين مصر والسودان منها الربط الكهربائي، إضافة
إلى عمل مشاريع سياحية بين البلدين بتطوير السياحة وإدخالها في عمل هيئة
وادي النيل للملاحة للنقل بين البلدين بمشاركة شركة أجنبية، مضيفا: بدأنا
نشعر مؤخرا أن هناك نبض حي في العلاقات، كما شعرنا بتغيير في لهجة الإعلام،
موضحا أن التناول الإعلامي المصري للسودان أصبح إيجابيا في الفترة الأخيرة
وحتى على مستوى سد النهضة، وختم السفير حديثه بأننا على موعد مع تاريخ
مشرق بين البلدين.
تعليقات
إرسال تعليق