كيف يدير السودان معركته الاقتصادية الراهنة؟

كيف يدير السودان معركته الاقتصادية الراهنة؟

 معركة شاقة ومضنية يديرها السودان الآن على الجبهة الاقتصادية و قيمة عملته المحلية مقابل العملة الاجنبية. المثير للاعجاب فى هذه المعركة المؤلمة ان الحكومة السودانية لديها تصميم وإرادة قوية للانتصار لصالح العملة الوطنية من واقع الاجراءات التى تقوم بها لحصر الازمة فى اضيق نطاق ممكن

.
هذا من جانب، من الجانب الاخر إدراك ووعي المواطنين السودانيين لطبيعة هذه المعركة ومشاركتهم فى معالجتها. ففي ما يلي الحكومة فان الرئيس السوداني البشير شخصياً أمسك بتلابيب الملف الاقتصادي بصفة مستمرة ودائمة وبمثابرة عجيبة، قل ان يخصص لها رئيس دولة مثقل ببرامج و مقابلات و زيارات وقتاً كافياً لمواجهتها بالتفصيل والملاحقة اليومية الدؤوبة.
الرئيس البشير يعقد في اليوم الواحد -ولساعات طوال- عشرات اللقاءات والاجتماعات لمواجهة المشكلة ولعل اصدق دليل مادي مباشر على ما أثمرته هذه المعالجات اللصيقة الانخفاض الذي حدث فى قيمة الدولار مقابل الجنيه من 40 الى اقل من 34 في بضع ساعات.
ومن المهم هنا ان نشير الى ان قرار منح البنك المركزي حق شراء الذهب حصرياً قرار موفق و استراتيجي لانه يقضي تماماً على سوق المضاربة فى الذهب و تهريبه الى الخارج. وباستطاعة البنك المركزي -عبر هذا الاجراء- السيطرة على سوق هذا المعدن النفيس من جهة، والاستفادة من عائده النقدي بالعملة الصعبة من جهة أخرى.
هذا القرار يعطي البنك المركزي فرصة جيدة للحصول على ارصدة معتبرة من النقد الاجنبي وحارب فى الوقت نفسه تهريب الذهب أحد اكثر الاضرار الاقتصادية المؤملة التى يعاني منها السودان.
كما ان قرار إعاة فتح الحدود و تنشيط التجارة الحدودية مع دول الجوار فى ظل احكام سيطرة السلطات المختصة على المنفاذ الحدودية لمنع التهريب، هو الاخر -بالمتابعة الدؤوبة و اللصيقة للرئاسة- يقوم بتغذية شرايين الاقتصاد السوداني بالنقد الاجنبي ويعيد التوازن الى العملة الوطنية فى زمن وجيز.
ومن جانب آخر فان عودة الدولة لاستيراد القمح و السلع الاستراتيجية بمواردها و تحت اشرافها، وهو ايضاً اجراء استراتيجي يمنع المضاربة فى النقد الاجنبي بحجة قيام الافراد والشركات بشراء النقد الاجنبي من السوق الموازي بغية استيراد هذه السلع.
كما ان تشديد السلطات السودانية على معاقبة وملاحقة تجار العملة و المضاربين فى السوق الموازي خفف كثيرا جدا و قلل من الازمة التى توشك ان نقضي على العملة الوطنية. يأتي كل ذلك فى ظل عمل دؤوب على جذب الاستثمار و تحسين بيئته، اذ ان السودان فى ظل امتلاكه لموارد طبيعية مهولة قادر على إحداث فرق فى جذب الاستثمار فى غضون سنوات.
وهكذا يمكن القول ان هذه المعركة الجارية الآن ليست معركة صالحة للاستثمار السياسي واستغلال الظروف، فقد اعتقدت المعارضة بسذاجة بالغة ان الاوان قد حان و ان مجرد اشتداد الغلاء و الاسعار المرتفعة معناه سقوط الحكومة و انهيار الدولة؛ وبدا المواطن السوداني البسيط متفهماً ومدركاً لابعاد القضية بأفضل من قادة القوى المعارضة، فيه وعلى علم بان الازمة طبيعية وعابرة و ضرورية لاستشراف مرحلة جديدة، ولذا تجاوبت مع الحكومة المثابرة على الاصلاح ولم يتعاون مع المعارضة الساعية للانهيار الشامل لكي تستثمر فيها لصالح عودتها الى الحكم!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة