
تدخل الحكومة والحركة الشعبية مفاوضات وقف العدائيات في توقيت
متغيرات وراهن سياسي مختلف عن بقية الجولات الأخرى خاصة الأخيرة، التي أفضت
إلى اتفاق خارطة الطريق، حيث يدخل الحلو بتفويض كامل ممثلاً للحركة ووريث
شرعي آلت
إليه ورثة الشعبية وجولات التفاوض الممتدة منذ 2011، فالوساطة الإفريقية
والموقف البريطاني وقبول التفاوض مع تيار الحلو منحته أفضلية على تيار
عقار، تضاف إلى سيطرته على مفاصل الحركة وتنازعهما على تاريخها.
من
المتغيرات التي تدخل بها الحكومة أنها حسمت خيارات التفاوض الشامل وزوبعة
التحضيري في آخر موقف تفاوضي، كما أن الحكومة تدخل هذه المرة وهي تجابه
أخطر جبهة تمرد اقتصادي من خلال إعلانها الحرب على الشركات والبنوك وما
أدراك ما حصيلة الصادرات التي أثرت في الراهن السياسي للدولة وأنتجت موازنة
2018 بتحدياتها الماثلة.
لا خيار أمام الحركة الشعبية غير الانخراط في
عملية تفاوضية جادة ومختلفة عن سابقاتها، عطفا على تلك المتغيرات خاصة
المتعلقة بوضعها الداخلي في صراعها مع تيار مالك عقار، وضعف احتمالات إعادة
قدرتها العسكرية على الأرض، وفي حال تعثر جولة المفاوضات فإن الشعبية تيار
الحلو يمكن أن تتحرك مثل بقية الحركات المسلحة في مسارات المطالب
والمناورة السياسية وانتهاز الفرص خارج الميدان العسكري للتأكيد على وجودها
في دائرة الفعل المعارض.
إن التوقيع على وقف العدائيات بين الطرفين
يبدو مهمة سهلة على غير العادة بأمر المتغيرات، لكن الوصول إلى سلام هو
المهمة الأصعب، خاصة أن الحلو يطرح بند تقرير المصير لترجيج الكفة لصالح
تياره في صراع الشعبية وكسقف لمناورة الحكومة، لكن الموجب في توجهاته على
تداعيات انقلابه أنه متمسك بالحل الجزئي من خلال مرافعته في استقالته في
مارس الماضي ونقده لرئاسة الحركة، حينها تبنى خيار الحل الشامل على حساب
المنطقتين.
العودة لطاولة المفاوضات بعد توقف دام أكثر من عام ونصفه،
تعرضت فيه الحركة الشعبية لأكبر عملية انشقاق رأسي وأفقي مؤشرات على
إمكانية إحراز تقدم في الملفات المختلف عليها، ومع ذلك سيحتفظ الحلو
بالمناورة وسقوف التفاوض وإثارة قضايا فرعية، فمشروع التمرد في السودان
قائم على مبدأ التكتيك والأجندة المتحركة على وقائع السياسة الداخلية
والخارجية، واعتماده على مكتسبات وتأثيرات الحرب التي تمكنه من الوجود على
خارطة السياسة السودانية، وهنا تبدو مسؤولية المجتمع الدولي إن كان صادقا
في خطواته نحو إحلال السلام بتفكيك هذه المكتسبات التي يعول عليها
المتمردون وتبعدهم عن إنزال السلام على الواقع.
تعليقات
إرسال تعليق