من مفارقات العلاقات السودانية المصرية!

حينما كانت تجري مفاوضات رفع العقوبات عن السودان في أروقة صنع القرار في واشنطن، كانت بعض الأصوات المصرية تخدر الإدارة الأمريكية من رفعها، بل تستحثها للإبقاء عليها.


بعض المصادر الإخبارية حينها قالت أن شخصيات مصرية رفيعة حرضت الرئيس الأمريكي لكي لا يرفع هذه العقوبات!!
ومع أن مثل هذا المسلك أغضب شعب السودان قبل حكومته، باعتبار أن العقوبات الأمريكية تستهدف بالدرجة الأولي أفراد الشعب السوداني، فإن شعب السودان الأذكى في السياسة، لم يعر التحريضات المصرية أدني اهتمام سواء لأن هذه التحريضات لن تؤثر  علي القرار الأمريكي، أو لأن الجانب المصري الذي يحتل أرضاً سودانية ممثلة في مثلث حلايب ويعمل بدأب علي تمصيرها وتغيير ملامحها تماماً، لا يمكن أن يرتكب خطيئة تفوق خطيئته في احتلال أراضي سودانية مع سبق الإصرار والترصد!!
شعب السودان الذكي اللماح عمل بالقاعدة المعروفة ألا ذنب بعد الكفر، ومع ذلك فإن السودان وبعد حصوله علي قرار رفع العقوبات لم يتلق أي عروض مصرية أو مبادرات اقتصادية من أي نوع للاستفادة من مزايا ما بعد رفع العقوبات بمعني آخر، فإن مصر تظاهرت بأنها (زاهدة) في الاستفادة والإفادة في المجال الاقتصادي الذي يعود بالنفع علي الدولتين، وهذا بدوره يفضي بنا إلي استنتاج أن مصر الرسمية علي أيه حال كانت تفضل سوداناً معاقباً ومعزولاً وكسيحاً لا يقوي علي الحركة! وكل هذا يمكن فهمه واستيعابه في سياق النفسية المتوجة للحكومة المصرية حيال السلطة الحاكمة في السودان ولكن ما يصعب فهمه أنه وحتي حين ذهب السودان يبحث عن مصالحة ويستغل موارده ويوظف إمكاناته فإن مصر بدت غير سعيدة مع هذا المسلك الطبيعي المشروع.
كان ذلك واضحاً من خلال الضجيج المدوي للإعلان المصري تزامناً مع زيارة الرئيس التركي أردوغان إلي السودان مؤخراً!.
ضجيج لا يليق أبداً بدولة تزعم أن عمرها (سبعتا لاف سنه)!! والأكثر غرابة وعجباً أن الإعلام المصري بدا (متفاجئاً) بالزيارة وأهدافها الإستراتيجية وما حققته وما هو منتظر أن يتحقق، ففي الماضي القريب كانت الحكومات المصرية المعاصرة تدعي أنها (تقرأ الكف السياسي)، وأنها تملك أجهزة استشعار شديدة الحساسية وتستطيع أن تسمع (دبيب النمل) في الصخر والليالي الظلماء!
ولكن فيما يبدو أنه ومنذ ذاعت حكاية (دول أولادنا) الشهيرة في أواخر تسعينات القرن المنصرم، تراجعت مهارة قراءة الكف السياسي وأصبحت الأمور تدار عن طريق (الفهلوة) أن أكثر ما يؤسف له في ملف العلاقات السودانية المصرية أن القاهرة تستهين بالعلاقة الإستراتيجية التي لا تقدر بثمن وهي إستهانه غير معهودة في علاقات حسن الجوار والمصير المشترك ولا تزل علي حصافة وذكاء سياسي، ومن المؤكد أنها بهذه المثابة سوف تلقي بظلال سالبة علي المصالح المشتركة بين البلدين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة