من المؤكد أن تجربة انتخابات المحامين، بغض
النظر عن نتائجها، تعطي صورة مقطعية واضحة للانتخابات العامة. ومع أن
القضية في جوهرها قضية مهنية بالدرجة الأولي باعتبار أن المحامين وفضلاً عن
كونهم قطاعاً مستنيراً متميزاً هو قطاع
مهني ليس له مخدم ولا يتبع لمؤسسة رسمية آلا أن الأحزاب السياسية عادة
ما تعتبرها معركة مهمة، وذلك ببساطة لأنها تعطي قراءة سياسية للممارسة
الانتخابية.
أبرز ما يمكن استخلاصه من هذه المعركة الانتخابية أولاً: أن
القوي السياسية المختلفة تحرص علي خوضها وتوليها اهتماماً كبيراً وهذه
النقطة لها أهميتها البالغة، كونها تؤكد أن المناخ الديمقراطي السياسي
العام في السودان مناخ جيد ومواتي بدليل إن كل القوي السياسية تعمل بجد
وهمة وتحرص علي خوض غمار المعركة عبر تحالفات وعبر استعداد ملحوظ وهذا في
واقع الأمر ينفي عن المناخ السياسي العام كل حجج ومغالطات بعض القوي
السياسية السودانية التي ترفض خوض الانتخابات العامة بمبررات عدم مواءمة
المناخ السياسي، ووجود (القوانين المقيدة للحريات) ومزاعم التزوير
المعروفة!
لا يمكن لعاقل أن يعزف عن دخول الانتخابات العامة بهذه المبررات والمزاعم وفي الوقت نفسه يخوض انتخابات نقابة المحامين بحماس دافق!
ثانياً:
هنالك علة يمكن اعتبارها (علة نفسية) محيرة تتمثل في أن القوي السياسية
حين تخوض معركة انتخابات المحامين، تبني تحالفات لهذا الغرض – وهو أمر
مشروع ومقبول – ولكن عادةً يكون الهدف الاستراتيجي لها هو إسقاط الخصم
اللدود!
بمعني أوضح، فإن هذه القوي لا تسعي للفوز عبر برنامج واقعي
جاذب، ولا بنية تقديم برنامج أٌقوي وأفضل يصب في المصلحة الحقوقية العامة
وإنما بنية تدمير الآخر وقص أجنحته وهذا الهدف السياسي بامتياز هو نفسه –
في واقع الأمر – الذي يتسبب في فشل هذه القوي وسقوطها لأن قواعد النقابة
بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم في حاجة لمن يقدم برنامج جاد ويضيف إضافة
حقيقية للماعون السياسي والمهني العام، لا أن يسعي وراء هدف سياسي من شأنه
خلخلة البنيان العام.
والمؤسف في الأمر أن هذا المسلك أصبح ديدناً لقوي
عديدة، هي تعرف في حقيقة دخيلة نفسها أنها لا تستطيع ادارك الفوز المستحق،
وأن وزنها وقدراتها لا تتيح لها تحقيق اكتساح مقدر ولكنها تستبدل فوزها
ونجاحها، بإسقاط الآخر!
ثالثاً: أكثر ما أثار الاستغراب في المطاعن التي
قدمتها بعض القوي التي خاضت العملية الانتخابية في نقابة المحاميين، رفضها
للإشراف القضائي علي العملية!
هذا المطعن غريب ومدهش أياً كانت
منطلقاته، فالمحامين أساساً إنما يعملون أمام القضاء الجالس وهم يوصفون
بأنهم قضاء واقف ومن ثم لا يمكن أن تحتكم في كل عملك وأداءك للقضاء ثم تأتي
من النافذة لترفض أشراف القضاء علي العملية!
والأكثر إدهاشاً أن
العملية الانتخابية العامة في كل الدنيا ترنو لجعل القضاء هو الجهة المشرفة
عليها لما يتصف به من حيدة ونزاهة فيكف يرفض القضاء الواقف إشراق القضاء
الجالس؟
البعض يزعم – ضمن المبررات المحيرة – أن القضاء هو الذي يفصل
في منازعات العملية الانتخابية والطعون التي تقدم فكيف يكون هو مشرفاً علي
العملية وفي الوقت نفسه هو الذي يفصل في الطعون والمنازعات المتعلقة
بالعملية؟ الرد هنا منطقي وبسيط، فالقضاء يحكم في المنازعات العادية – في
درجاتها الدنيا ثم ذات القضاء يفصل في المنازعات العادية نفسها في درجاتها
العليا، في مراحل الاستئناف والمحكمة العليا!
تعليقات
إرسال تعليق