الصادق المهدي يقدم إغاثة سياسية للجبهة الثورية!


كان من الممكن أن يُنظر الى إتفاق باريس الذي وقعه السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي مع رئيس الجبهة الثورية مالك عقار على أنه (محاولة سياسية) من حزب الأمة لإعطاء دفعة سياسية للحوارا لوطني الشامل المنطلق منذ أشهر باعتبار ان القوى الحاملة للسلاحأهي ايضاً معنية ومطلوبة بشدة للتعاطي مع هذا الحوار، غير أن مجمل ما تم التوصل اليه بين المهدي والثورية لم يشر لا من قريب ولا من بعيد الى المرتكزات الأساسية المطروحة للحوار وهي الاقتصاد والسلام والهوية والحريات، مع أن السيد الصادق المهدي كان أول من وافق وقبل هذه المرتكزات الاربعة عند طرحها أول مرة ومن ثم دخل بموجبها مضمار الحوار! 
وعلى ذلك فإن المهدي سواء كان هو الذي بادر بوضع الورقة الاساسية والمقترحات الرئيسية لاتفاق باريس -كما حاولت أسرته أن تثبت عبر بعض الكتابات الاسفيرية- أو كان هذا الاتفاق قد فُرض عليه فرضاً فهو على اية حالة -بل وفي الحالتين- لم يزد عن كونه اعطى عمراً مجانياً للجبهة الثورية يبدو أنها كانت في حاجة ماسة إليه.
ولا يُعرف حتى الآن ما اذا كانت الثورية هي التى بادرت باستدراج المهدي لهذا الموقف التكتيكي الضيق، أم إن المهدي هو الذي سعى سعياً حثيثاً له ولكن شواهد عديدة تدل على ان الرجل جرى إيقاعه بخبث ومكر فى هذا الفخ. 
فمن جانب أول ثبت ان أحد مدراء المركز السوداني الفرنسي بالخرطوم كان هو حلقة الوصل بين الطرفين وبالنظر الى أن مكان الاجتماع أتخيرت له العاصمة الفرنسية باريس؛ فإن المرجح ان المهدي جرت دعوته من طرف ثالث هدف هذا الطرف الثالث فقط أن يمنح الثورية بريقاً وروحاً جديدة. وكلنا يعرف ان باريس في الوقت الراهن طرف معادي للخرطوم لكونها ومنذ سنوات تحتضن إحدى أبرز حركات دارفور المسلحة وهي حركة عبد الواحد محمد نور ومن المستحيل تماماً أن يكون هدف باريس هدفاً نبيلاً، أو يصب في مصلحة المهدي. 
ومن جانب ثاني فإن قادة الثورية سبق لهم -قبل أشهر خلت- أن رفضوا استقبال ذات السيد الصادق في كمبالا لغرض مماثل، فياترى ما الذي استجد على الارض وجعلهم يتكبدون عناء السفر الى باريس للقاء خاطف لرجل يكرهونه، ومع ذلك عقدوا معه اتفاقاً يتضمن وفقاً لإطلاق النار؟ أغلب الظن ان المهدي ارتضى لنفسه أن يكون جسراً واقياً للثورية في هذا الظرف البالغ الدقة الذي نعيشه. 
ومن جانب ثالث، فإن المهدي نفسه إن كان الامر يتعلق بالمناورة والضغط على خصومه في الحكومة بإمكانه التعاون مع المكونات السياسية المحلية في الخرطوم سواء كانت قوى الاجماع أو تحالف القوى الوطني أو غيرها فهي قريبة منه، وهو سياسي وليس جنرال حرب. إذ من الغريب ان سياسياً عريقاً اشتهر بما يطلقه على نفسه من جهاد مدني يلجأ في خريف عمره السياسي الى حملة السلاح مستقوياً بهم في مواجهة خصومه السياسيين! 
لو أن المهدي فكر جيداً في خطوته هذه نكاد نجزم انه ما كان ليطير الى باريس. وعلى كلٍ فإن الرجل الذي ترك بلاده تعاني الأّمرين من دفقات المطر الغزير والسيول الجارفة والفيضانات وبدلاً من أن يسهم في إغاثة أهله وذويه اختار بمحض إرادته السياسية ان يقدم الإغاثة السياسية الى الجبهة الثورية!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة