مأساة لندنية للمعارضة السودانية!

لم يكن ما رشح مؤخراً من عراك واشتباك مباشر بالأيدي والأرجل بين عناصر قوى المعارضة السودانية في العاصمة البريطانية لندن هو أُقصى ما أتيح للمراقبين معايشته حول الواقع المخجل والمخزي لقوى المعارضة السودانية التى تسعى لتصبح بديلاً للحكومة السودانية الحالية في الوقت الذي فيه انها هي نفسها -وفي حد ذاتها- غير قادرة على ادارة شئونها وإدارة ندوة وتوزيع فرص الحديث وأخذ الرأي. هناك دون شك (وجه آخر) للمأساة اللندنية، كان شهوداً عليها الكثيرون ممن اضطروا لمداراة وجوههم هرباً من فضيحة العراك النازف تلك. فالقيادي المعروف، فاروق أبو عيسى الذى كانت الترتيبات التى سبقت الندوة قد وضعته (متحدثاً رئيسياً) لدواعي أبوية رُوِعَي فيها عامل السِن والتاريخ النضالي، كما روعي فيها قدرة الرجل على توحيد قوى المعارضة باعتبار ان الهدف الرئيسي للندوة هو توحيد قوى المعارضة سلمية ومسلحة- ، فاروق أبو عيسى ظهر بمظهر (مهزوز) للغاية؛ فعلاوة على ضعف منطقه في بداية حديثه وانفلات أعصابه وتوجيه أكثر حديثه لاتفاق باريس الأخير وتركيزه على السيد الصادق المهدي هجوماً ونقداً لاذعاً؛ فإن أبو عيسى بدا مرتجف الصوت، مرتعش النبرات، كلماته كانت كأنها تخرج من أغوار كهف مظلم، فأثارَ ذلك استياء الكل بما في ذلك أكثر المقربين اليه للدرجة التى حاول فيها البعض إيقافه عن الحديث اشفاقاً عليه ومحاولة منهم لمحو الصورة الشائهة التى ظهر بها فأفسدت الندوة منذ بدايتها. 
ولكن مأساة أبو عيسى لم تنتهي فقط في هذه النقطة فقد فاجأه المستشار الاعلامي لجبريل إبراهيم، محجوب حسين بحقيقة فغرَ لها فاروق فاه، حيث قال حسين إنهم في حركة جبريل ابراهيم كانوا قد قدموا الدعوة للحزب الشيوعي السوداني للمشاركة في إتفاق باريس! 
أبو عيسى الذي ألجمته المفاجأة لم يجد ما يقوله سوى ارتسام علامة الدهشة على خطوط وجهه الثمانينية المتعبة، فقد كان الرجل (آخر من يعلم) ويا ليت أيضاً انقضت المأساة في هذه النقطة، فقد سارعت احدى منسوبات الحزب الشيوعي السوداني و تُدعى آمال جبرالله وانتقدت إتفاق باريس ووجهت نقداً مقذعاً للسيد الصادق المهدي وأصاب رشاش كلماتها ابو عيسى نفسه حين التفتت إليه في جرأة من المؤكد أنها فصدت كبده وطالبته بإفساح المجال لجيل الشباب لقيادة المعارضة! 
تصور عزيزي القارئ ان عدداً مقدراً من قوى المعارضة، بعضها من الحركات المسلحة الدارفورية الثلاثة وبعضها من حزب الأمة وبعضها من الحزب الشيوعي وبعض آخر من قطاع الشمال ثم بعض آخر من منظمات المجتمع المدني من دارفور ومناطق جبال النوبة؛ تصور كل هؤلاء تكبدوا مشاق السفر إلى عاصمة الضباب وبعضهم كان يقيم هناك، وجلسوا في ندوتهم تلك بغرض توحيد قوى المعارضة فإذا بهم يدخلون في عراك لفظي وتبادل ألفاظ يستحيل إيرادها، ويتعاركون بالأيدي والأرجل، ومع كل ذلك يعتقدون انهم (معارضة سودانية) تسعى لتغيير الحكم في السودان! 
كل هذا السيل العرم من الاشخاص والقادة غرقوا في بحر من الشتائم والخلافات لتنفضَّ الندوة وينضاف خزيّ جديد لتاريخ طويل من الخزي والفشل لقوى المعارضة السودانية التى لا يمكن لعاقل أن يتصور مجرد تصور أنها قوى مؤهلة لإدارة ندوة، دعك من إدارة دولة!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة