إمكانية إلتحاق الحركات الدارفورية المسلحة بالحوار.. الممكن والمستحيل!

أكثر ما يؤلم في الطريقة التى تتعامل بها الحركات الدارفورية المسلحة مع معطيات الواقع السياسي السائد في السودان في الوقت الراهن أنها ليست فقط تمزق أوراقها السياسية المفيدة التى ربما تعود عليها بالنفع حتى على مستوى نظرها القصير؛ ولكنها تثبت وبإستمرار أنها لا تملك الحد الأدنى من النظر الثاقب والرؤية السياسية السديدة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن قضية الحوار الوطني المطروحة منذ أشهر والتى لم تتقدم هذه الحركات تجاهها خطوة واحدة حتى الآن –مع أنها القضية الأكثر نفعاً وفائدة سياسية لها- هي فى الواقع النافذة الوحيدة التي بإمكان هذه الحركات فتحها والاستفادة من هوائها العليل دون أدني تكلفة أو استحقاقات تكلفها شططاً. 
فمن جهة أولى فإن بوسع هذه الحركات أن توفد مناديب عنها -وفق ضمانات متفق عليها- لخوض غمار هذه الحوارات الوطنية، إن لم يكن لشيء، فعلى الأقل لفهم طبيعة الرؤى السياسية المطروحة على طاولة الحوار. إذ أنه لا يختلف إثنان على أن هذه الحركات تعيش فصاماً مريعاً وواضحاً ما بين ما تحلم به وتعزي به نفسها -وهو أقرب إلى المستحيل- وما بين الواقع الماثل بكل تداخلاته وتعقيداته فالخوض في قضايا علاقة المركز بالأطراف مثلاً أو قضايا الحريات أو الهوية أو الاقتصاد يوفر لهذه الحركات القدر المناسب من عناصر الواقع والذي هي بعيدة عنه تماماً لأن من المعروف إن هذه الحركات تخلط ما بين حاجة إقليم دارفور للتنمية والخدمات؛ وما بين معالجة قضايا السودان كلها مجتمعة عبر تمكينها هي من السلطة المركزية.
وهذا أمر مهما بدا لها عادلاً إلا أنه فيه ظلم ماحق ببقية مكونات البلاد وقضايا التنمية والهوية والموارد والخدمات هي قضايا مشتركة بصفة عامة ما بين كافة أقاليم السودان بلا استثناء وليس هنالك ما يجعل من قضية هذه الحركات -وحدها ومهما تكاثرت- القضية الوحيدة أو العليا!
من جهة ثانية فإن الفارق شاسع تماماً ما بين الممارسة السياسية –على ارض الواقع- عبر أحزاب ومنظومات سياسية وبرامج سياسية لمواجهة القضايا والتحديات؛ وما بين الاعتماد فقط على السلاح، ولهذا فإن اقتراب هذه الحركات من السلطة بقدر كافي ومن بقية مكونات البلاد السياسية المشاركة فى الحوار، يزيل الكثير جداً من اللغط والخلط المستحوذ على أذهان قادة هذه الحركات.
ومن جهة ثالثة فإن المشاركة فى الحوار لا تعني بالطبع التفاوض مع السلطة، فالفارق أيضاً كبير ما بين الحوار والتفاوض وبوسع هذه الحركات أن تستفيد من أجواء الحوار لبناء الثقة مع الجميع وتقريب وجهات النظر التى لا بد، بل لا مناص من تقريبها عاجلاً أم آجلاً وفى الوقت نفسه الاستفادة من الأطروحات والاستفادة من إجراء النقاش ثم الاستفادة من المخرجات النهائية إذ ليس بوسع هذه الحركات أن تأتي بأمر جديد يشذ عن أطروحات بقية المكونات السياسية، ففي السياسة دائماً فإن المعقول والممكن هو الأدعى للقبول. 
وأخيراً فإن الحوار أيضاً يمنح هذه الحركات فرصاً أكبر للبدء ببناء تحالفات لا مناص من بنائها حاضراً أو مستقبلاً فقد فات زمان قيام حركات مسلحة –لوحدها- بقيادة دولة بأسرها إذ لا بد لها من خوض غمار المضمار السياسي وهذا ما فشل فيه مناوي إبان توقعيه على إتفاق أبوجا فى الخامس من مايو 2006 واضطر للعودة الميدان عقب فشله فى تكوين جسم سياسي وبناء تحالفات ودخول الميدان السياسي الفسيح.
إذن نحن أمام معضلة تخص هذه الحركات بإمكانها أن تتجاوزها إذا ما استغلت -بذكاء- سانحة الحوار الوطني هذي ويصبح من ثم من الممكن أن تفكر هذه الحركات في المستقبل بذهن سياسي فاعل أما إذا ما جلست بعيداً هناك وظلت تشترط وتطالب مع تراجعها الواضح في ميدان القتال، فإن السلاح الذي ترفعه بلا عقل سيتحول إلى صدرها بجدارة!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة