السيول والفيضانات أبعد ما تكون عن تصاريف السياسة!

هل من المعقول والمنطقي تحميل مسئولية مجابهة الكوارث الطبيعية -بما في ذلك الحيلولة دون وقوع الكارثة نفسها- الى الحكومة وحدها وإظهار الأمر وكأنها (عملية اختبار سياسي) أخفقت فى اجتيازه؟ هذا السؤال مهم للغاية فى ظل الهجوم المقذع الذي تواجهه الحكومة السودانية إزاء حالة مناخية لا تحدث فى كل عام وإنما تحدث من حين لآخر لأسباب تتعلق بالطقس. 

قضية السيول والفيضانات بكل ما خلفته من كوارث وحالات دمار للمنازل وموت لبعض المواطنين يمكن اعتبارها قضية أبعد ما تكون عن التعاطي الإداري والسياسي في بلد كالسودان ظل وما يزال يتلمس خطاه بصعوبة باتجاه النهوض وتحقيق توازن في كافة مناحي حركته. بلد يواجه أعمالاً عسكرية مسلحة منذ أكثر من نصف قرن من الزمان أنهكته موازنته العامة وهزت مكانته الدولية ووسعت من نطاق أعدائه، وغارق فى حصار اقتصادي مريع لو أن دول افريقية واحدة غرقت فيه لقضت في سويعات. 

الأزمة الحالية فيما يواجه السودان من سيول وفيضانات ليست في طريقة تعاطي الحكومة مع صميم الأزمة، إذ أن ما لا يعرفه الكثيرون -وللأسف الشديد حتى أولئك المستنيرين- أن الحكومة تبذل أقصى طاقتها فى ظل موارد شحيحة على مجابهة هذا الوضع دون أن ترفع يدها عن الزناد في ميادين القتال، ودون أن تفرّط في أمن البلاد المهدد في غرب وجنوب وغربي السودان. 

هل يعلم أولئك الذين يلقون باللائمة عليها ويطلقون القول على عواهنه كم تكلف الحرب اللعينة الدائرة حالياً فى جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور؟ وهل يعلمون كيف تتدبر الحكومة مواردها لتسيير العمل اليومي ومجابهة الصرف على أمن البلاد؟ بل هل يعلم هؤلاء كم صرفت وما تزال تصرف باتجاه معالجة المصارف الرئيسية للمياه فى كافة مناطق السودان وعواصم الولايات؟ 

إن الأمر ليس بالطبع بهذه السطحية التي يصور بها البعض الموقف القائم حالياً في السودان إزاء هذه الكوارث الطبيعية، فالأزمة ليست فقط في هذا الصعيد الذي يمكن اعتباره أمراً عابراً بالإمكان معالجته، ولكن الأزمة فى أن العديد من القوى السياسية -خارج السلطة- تصطاد وتتصيد مثل هذه الكوارث لدمغ الحكومة بالفشل ومن ثم توقع سقوطها؛ في حين أن بإمكان هذه القوى -طالما كانت قوى وطنية- أن تشمر عن ساعد الجد وأن تنظم نفسها لكي تعمل في الميدان الوطني الفسيح ومعالجة ما يحدث باعتبار أن ما يحدث كارثة طبيعية من الطبيعي أن تفوق قدرة الحكومة على مواجهتها وحدها. 

هنالك الكثير من الطاقات العاطلة داخل العديد من الأحزاب والقوى السياسية والتي بالإمكان تسخيرها لصالح مواجهة هذا الوضع. وعلى كل فإن الذين يسيئون الى الحكومة وهم لا يدرون أنهم يسيئون الى بلادهم وطبيعة أوضاعها، عليهم أن يشعلوا شمعة وأن يدركوا أن كل هذه الأوضاع إن هي إلا أوضاع استثنائية ما كان بالإمكان تفاديها مهما كانت التوقعات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة