ألور مستفتِياً!

يخطئ السيد دينق ألور خطأً ماحقاً إن أعتقد أنه قادر على حسم نزاع أبيي لصالح دينكا نقوك، فالرجل الذي فقد مجده السياسي فى جوبا وسقط صريعاً برصاص الفساد بقرار من الرئيس الجنوبي سلفا كير وخرج يجرجر أذيال الذل والهزيمة من جوبا لن يكون بوسعه أن يعيد بناء ذاك المجد من جديد على أنقاض المجد الزائل فى أبيي.
دينق ألور عمل على تعبئة بني جلدته فى أبيي بغية إقامة استفتاء فى شهر أكتوبر الماضي. ونقول أكتوبر الماضي لأن الشهر مضى وكان هو توقيتاً زمنياً تم إقراره ثم قرر الاتحاد الإفريقي إلغاؤه بعدما تبين له استحالة قيام الاستفتاء ولا ندري حقيقةً على أي سند يستند ألور فى قيام استفتاء خطير كهذا بلا لجان استفتاء، ولا مراقبين ولا سجل انتخابي معتمد، هل يتصور الرجل أن الأمر بكل هذه السهولة؟ مجرد صناديق اقتراع وبطاقات يتم إلقاؤها داخل الصندوق؟
إن المؤسف حقاً فى مفهوم الاستفتاء لدى ألور ورفاقه اعتقادهم المفروغ منه أنهم إنما يقيمون الاستفتاء كتحصيل حاصل على اعتبار أن الأرض المتنازع عليها ليست سوى ارض جنوبية بحكم إقامة دينكا نقوك عليها وأن قبائل المسيرية جاءت رديفة للقبائل الجنوبية.
ينسى ألور أن القضية تتصل بعمل سياسي ديمقراطي من طراز فريد وهو عمل لا يشبه استفتاء تقرير مصير جنوب السودان لا من قريب ولا من بعيد، ولو كان الأمر كذلك لتم إجراء استفتاء أبيي بالتزامن مع استفتاء جنوب السودان وبإقرار مسبق بأن أبيي تابعة لجنوب السودان. ولكن الأمر اعقد من ذلك بكثير، فالمنطقة المتنازع عليها ما تزال موضع نزاع لم يحسم والنص الذي يقرر الاستفتاء ينص بوضوح على أنّ الاستفتاء يشمل قبائل المنطقة، ولو كان النص يرمي الى إشراك دينكا نقوك وحدهم فى عملية الاستفتاء لتمت الإشارة الى ذلك صراحة، ولكان هناك إقرار بان المنطقة تتبع إدارياً لجنوب السودان.
ولكن طالما أن النص أعطى الحق في الاستفتاء للقبائل المقيمة على الأرض المتنازع حولها فلا يصح -لا منطقاً ولا قانوناً- أن يقرر طرف واحد منفرد إجراء الاستفتاء وينسى ألور أنه إذا أجرى الاستفتاء بهذه الطريقة فهو لن يكون معترفاً به، وإذا ما أصبح غير معترف به فإن مساوئه تصب فى مصلحة الجانب السوداني، لأن من الطبيعي أن ينصت المجتمع الدولي الى السودان باهتمام بالغ ومن ثم تجري عملية الاستفتاء الصحيحة، وفى هذه الحالة فإن النتيجة بالطبع ستكون غير النتيجة التى أرادها ألور.
إن مشكلة أمثال ألور أنهم مندفعين دون إدراك ووعي بالقضية، ودون الوضع فى الاعتبار مترتبات العلاقات بين الدولتين فى الحاضر والمستقبل، فلو كانت الأرض تنزع بهذه السهولة لما كانت هنالك سيادة وطنية للدول ولما كانت هنالك جيوش وحروب وسلاح مدمر يفرض إرادته بالقوة!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة