بالطبع لم يعد من سبيل للحكومات – حول العالم – سوى قول
الحقيقة وتمليك المعلومة للناس فى عصر يعرف بأنه عصر الفضاءات المفتوحة
حيث ينبض الأثير والعوالم الاسفيرية الافتراضية بالكثير من الأخبار
والأحداث.
غير أن هذا الواقع بالمقابل يستلزم فيما يستلزم أن تتحرى
القنوات الفضائية التى تتصدى لنقل الأخبار ومتابعة الأحداث القدر الكافي من
المصداقية والمهنية، إذ ليست من مهام الإعلام صناعة الأحداث والتاريخ،
كما ليس من مهمته خلق وتخليق مآلات الأمور، هي دون شك أجهزة إعلام ناقلة
وعاكسة فقط لما يجري.
ولعل الأمر المؤسف فى هذا الصدد أن قناة عربية
مثل قناة العربية الفضائية لم تتحرَّ الكذب والتلفيق فحسب، ولكنها كابرت
وما تزال تكابر بشأن ما تبثه من أخبار عن أحداث السودان التى جرت يومي
الرابع والعشرين والخامس والعشرين من سبتمبر الماضي.
لقد صوّر (خيال)
العربية لها وسولت لها توجهاتها المثيرة للريبة أن ما يجري فى السودان
بمثابة (ملحق) للربيع العربي. ويبدو أن القناة كانت في انتظار (أي شيء) حتى
ولو جريمة قتل عارضة فى الشارع السوداني لكي تقول إنها تتابع احتجاجات
(ربيعية) ضد الحكومة السودانية؛ ففي سياق الأخبار التى عملت على بثها هناك
بث لأخبار غير حقيقية، خاصة فى عدد القتلى والضحايا، فمنذ الوهلة الأولى
صعدت القناة بالرقم ليبلغ رقماً خرافياً دون الإشارة الى مصدر صحي أو مصدر
رسمي فى الداخلية السودانية.
رقم من خيال بدا وكأنه كان ضرورياً لكي
تشعِل هي الأخرى -أي القناة- حريقاً من نوع خاص تملأ به شاشاتها التى طال
عهدها بالثورات! كما أن القناة بثت صوراً لتظاهرات كانت من السذاجة بحيث
استطاع اقل المواطنين السودانيين شأناً أن يكتشف وبسهولة أنها صوراً
(إرشيفية) قديمة، بعضها من زمان مضي قبل عقود وبعضها فى مناسبات (فرح) جرت
فى السودان!
لقد بثت القناة -وهي تراهن على ضعف ذاكرة السودانيين-
شريطاً لمسيرة فرح باسترداد أبو كرشولا حمل فها بعض المواطنين ضباطاً من
الجيش السوداني على الأعناق لتزعم القناة أنها صوراً لضباط من الجيش انشقوا
عن الجيش السوداني على غرار ما كان يجري فى سوريا! أرادت قناة العربية
صنع (جيش حر سوداني) من خلال (صور قديمة) لم تتوانى فى بثها طوال يومين
لكي تخدع بصر المشاهدين خداعاً بصرياً غير أخلاقي ولا يمت الى الموقف
باستضافة (ضيوف سودانيين) عبر الهاتف والأقمار الصناعية ولكن -المضحك
المبكي معاً- أنها لم تجد أكثر من ضيف واحد فى لندن!
بل حتى المحاولات
التى قامت بها لكي تستنطق الصحفي (بهرام عبد المنعم) عن وقائع المؤتمر
الصحفي لوزير الداخلية وزير الإعلام ووالي الخرطوم فإن الصحفي لم يقل
شيئاً يسر العربية حتى إن المذيع الذى كان يحاوره حاول أن يستفزه وشكك فى
أنه يواجه ضغوطاً!
لم يحدث قط أن رأينا عملاً إعلامياً على هذه
الشاكلة. قناة تسعى لخلق شيء من عدم والشيء يستعصي عليها ولكنها لا تتوقف
عن المحاولة ولا تزال تحاول!
تعليقات
إرسال تعليق