نظرة أكثر عقماً للإقتصاد السوداني
كما أن الناقل الوطني العملاق ممثلاً فى الخطوط البحرية السودانية كان على وشك السقوط فى هوة سحيقة يومها فقد كانت البواخر السودانية -مع أنها تمثل سيادة الدولة- مرهونة لدى جهات أجنبية!
وعلى صعيد الموازنة العامة للدولة فقد كانت موازنة السودان للعام 1989 1990 عاجزة عجزاً مريعاً جعلها مكان نقد لاذع من نواب البرلمان ولو أنها أُجِيزت - وما كانت لتُجاز- لسقط السودان يومها ولم ينهض البتة، فقد كانت خالية من الإنتاج، خالية من المشروعات التنموية الصغيرة دعك من المشاريع العملاقة مثل السدود والمصانع الكبيرة (مصانع السكر) ومصانع الحديد والسيارات وقطع غيار السيارات.
كان سجل الأداء الكلي للاقتصاد السوداني فى ذلك الحين يساوي أقل من الصفر، فهو العجز المبين، وإذا ما عقدنا مقارنة بين ذلك الواقع والوقع الحالي –بفارق ربع قرن من الزمان– لوجدناه فارقاً سحيقاً، ففي حين إن الواقع الاقتصادي يومها كان أبرز ملامحه صفوف الخبز والوقود وندرة السلع فإن الواقع الحالي ليس فيه صفوف وندرة سلع، فعلي الأقل هناك سلع متوفرة فى الأسواق ومتاحة للجميع، كل على حسب مقدرته.
كما أن الواقع فى ذلك الحين لم يكن يبرز أنشطة اقتصادية مؤثرة مثل السدود الضخمة فى شمال السودان ووسطه وشرقه والتي تنتج كهرباء ومشاريع زراعية هائلة وتجتذب الاستثمار.
كما أن الواقع الحالي أنجزت فيه الحكومة حل مشكلة سياسية مزمنة ظلت تؤرق مضجع البلاد منذ أن نالت استقلالها فى العام 1956م وهي مشكلة جنوب السودان.
لقد تحمل الاقتصاد السوداني كلفة حل مشكلة الجنوب بمنحه حقه فى تقرير مصيره واختياره الانفصال وقبلها كان قد تحمل الصرف على اتفاقية السلام فى ظل غياب أي دعم خارجي ووعود ذهبت أدراج الرياح فى أوسلو وغيرها.
وعلى ذلك يمكن القول إن الاقتصاد السوداني كان بصدد القفز قفزة عالية باختياره لسياسة السوق الحر، وهي سياسة منتهجة عالمياً حيث أصبح العرض والطلب هو المتحكم فى وجود السلع المختلفة، ولعل اختيار الحكومة السودانية تقديم دعم للمواطنين وذلك عبر دعم أسعار السلع الأساسية كالوقود والسلع المهمة هو الذى جلب عليها كل هذا الوبال، فلو أنها –منذ البداية – تركت السلع الأساسية لتجرب حظها فى السوق لما احتاجت الى ما احتاجت إليه بعد سنوات من تطبيق هذه السياسة. وإن كان من أمر علينا أن نقرّ به هنا هو أن المواطن السوداني –وهو محق– شعر بأن الحكومة تخلت عنه ولكن الصحيح أنها لم تتخل عنه بقدر ما أنها سعت الى نهضة اقتصاده وتعافيه، فقد أجمع الخبراء على أن انتهاج سياسة السوق الحر ينبغي أن تكون شاملاً وكاملاً لكي تتفرغ الدولة لإدارة الإنتاج والإشراف على التصدير والاستيراد ودون تدخل فعلي منها فى النشاط الاقتصادي اليومي.
الدولة أيضاً ولكي تتلافى الآثار المدمرة لرفع الدعم –وهو جزء من عملية الإصلاح الشاملة– فقد قررت دعم الفئات والشرائح الضعيفة من الناس بمبلغ شهري قدره 150 جنيه كما قررت ايضاً أن لا ترفع تذكرة المواصلات العامة وأن تقدم دعم للطلاب وأن ترحلهم بنصف القيمة.
كل هذه معالجات رأتها وهي تدير اقتصاداً أنهكته الحروب الداخلية وحروب الخارج الاقتصادية التى ما تزال تثقل كالها
تعليقات
إرسال تعليق