من المؤكد أن الأحاديث الصحفية المتواترة -هنا وهناك- عن إعتزام
الاتحادي الأصل الانسحاب من الحكومة، ثم تكذيب الخبر، ثم إعادة إطلاقه مرة
أخرى هي أمور تجري ضمن (نظرة عامة) لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع فى
السودان فى ظل سياسة الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة والتي صحبتها بعض
الاحتجاجات الشعبية التى اصطحبت معها أعمالاً تخريبية غير معهودة فى الساحة
السياسية السودانية.
بمعنى أدق فإن بعض (الخائفين) من تبعات هذه السياسات، يودون (إنقاذ) الاتحادي الأصل من النهايات غير السعيدة بحسب تحليلهم للأوضاع.
وللتدليل
على ذلك فإن الإجراءات الاقتصادية بدت وكأنها (السانحة الوحيدة) لمن لديهم
أجندات خاصة ربما تسعفهم الظروف القائمة على إنفاذها، ولهذا رأينا عدة
خطوط تعمل فى وقت واحد، ففي خضم أعمال التخريب تلك، كان مطلقي الشائعات قد
أعدوا شائعات عدة، بينها سوء علاقة السودان بدول الخليج العربي ومنع وزير
الخارجية السوداني من زيارتها.
وبعض آخر زعم أن المملكة العربية
السعودية هي التى تقف وراء الأحداث، ثم شائعة أخرى -ذات دلالة- أطلقها
مبارك الفاضل من منفاه الاستخباري فى الخارج بأن إحدى دول الخليج ضبطت احد
أبناء قيادي مسئول في الحكومة السودانية وبحوزته ملايين الدولارات!
الإيحاء
هنا أن الحكومة السودانية تواجه مصاعب حقيقية و تمرّ بمنعطف خطير، هذا
بالطبع الى جانب تسعير نيران الإعلام وخاصة فضائيات اسكاي نيوز والعربية
غيرها من الفضائيات الباحثة عن خبر.
فى ظل وضع كهذا وخطوط متداخلة حيكت
بعناية جاء حديث بعض قادة الاتحادي عن إعتزامهم الخروج من الحكومة فهو كما
واضح عمل احترازي لمحاولة القفز مما يعتبرونها (سفينة غارقة). كما أن قادة
الاتحادي الذي لم يستطيعوا التعبير عن رأيهم عند بداية المشاركة قبل نحو
من عامين أو يزيد سواء بفعل افتقادهم للمنطق السياسي السديد، أو لأسباب
(تخصهم) وجدوها فرصة سانحة نادرة لارتداء (أطواق النجاة)!
والواقع أن
هذا الموقف بصرف النظر عن حقائق الواقع على الأرض يعبر عن انتهازية سياسية
غير معهودة فى الممارسة السياسية فى السودان، وهروب متعمد من المسئولية
الوطنية لا يشبه تاريخ الحزب نفسه فالأمر هنا يتعلق بالمبدئية والأخلاق
السياسية والوازع الوطني؛ إذ ليس صحيحاً على الإطلاق أن الحكومة السودانية
(سفينة غارقة)، نقول هذا على الرغم من ما تواجهه من مصاعب هي نتيجة طبيعية
للظروف التى واجهتها بشجاعة طوال العقدين ونصف الماضيين، إذ لا ينكر إلا
مكابر أن الحزب الاتحادي الأصل يوم أن كان جزءاً من التجمع الوطني كان يخوض
الحرب مع بقية قوى التجمع ضد الحكومة السودانية، وأسهم بشكل أو بآخر فى
إثقال ظهر السودان بتكلفة الحرب والتخريب فالاقتصاد ليس شيئاً بلا جذور ولا
نتائج بلا مقدمات.
ولهذا فإن مخاوف بعض قادة الاتحادي ليست فى محلها
والأجدى أن يتحمل الحزب مسئولية قراره بالمشاركة ويعمل على إصلاح الاقتصاد
السوداني، بدلاً من أن يحاول النجاة بنفسه إذ لم يبق للإتحادي شيء يخشى
عليه، فقد تقطعت به السبل وتفرقت به أيما تفرق وصار (أرخبيل سياسي) ومجموعة
جذر معزولة وموحشة!
تعليقات
إرسال تعليق