تجربة صعبة ولكن!

بكلفة سياسية يمكن القول إنها معقولة ومحدودة استطاعت الحكومة السودانية أن تتجاوز قضية الإصلاحات الاقتصادية إحدى أهم وأكبر التحديات الاقتصادية والسياسية التى واجهت الحكومة السودانية طوال العقد الماضي. وبنظرة فاحصة فى ما أمكن تحقيقه حتى الآن فإن أهم ما يبرز الى السطح فى هذا الصدد أولاً: أن الحكمة السودانية خاضت تجربة صعبة وهي تجربة على صعوبتها وفداحة ثمنها إلا أنها الطريقة الوحيدة لمعالجة الأوضاع لكي ينصلح حال الاقتصاد السوداني أو على الأقل وضع حجر الأساس للمرحلة المقبلة والتي تأمل الحكومة السودانية أن تتمكن خلالها من انجاز اقتصاد معافى متسق البنية فى ظل سياسة اقتصادي السوق الحر التى يعتبرها العديد من الخبراء الاقتصاديين السبيل الوحيد لكي يؤدي الاقتصاد أداءاً حقيقياً على أرض الواقع. وعلى ذلك فإن خوض تجربة صعبة كهذه أفاد الحكومة السودانية وسلحها بإرادة قوية إذ المعروف فى هذا الصدد أن مثل هذه التجارب يتم إخضاعها لدراسة وافية حتى يتم تفادي أي مترتبات سالبة، مستقبلاً، فقد بدا للحكومة السودانية أن هناك وجود لعناصر مخربة، مدربة ومخفية بعناية فى طيات نسيج السودان الاجتماعي والسياسي وهو أمر يستلزم جهداً للتعامل مع هذه العناصر ليس فقط لمواجهتها عند اللزوم ولكن للخلاص منا طالما أنها تنتهج التخريب الهادف الى هدم الدولة وليس فقط إسقاط الحكومة. لو لم تقرر الحكومة إجراء هذه الإصلاحات لما أمكنها أن تقف على خريطة هذه العناصر المخربة التى بدت مثل خلايا نائمة تعيش فى عمق المجتمع السوداني. ثانياً: إن التجربة -بحلوها ومرّها- دفعت الحكومة السودانية على التركيز أكثر من ذي قبل على وضع الاقتصاد السوداني على أولى عتبات الإصلاح الشامل إذ أنّ الإجراءات الاقتصادية لفتت النظر الى ضرورة إيلاء الإنتاج أياً كان ذلك الإنتاج أهمية قصوى فالموازن العامة للدولة لم تعد من الآن مجرد أرقام هنا أو حسابات هناك بقدر ما بات من المعين على الحكومة السودانية أن تدفع المواطنين السودانيين دفعاً باتجاه الإنتاج الحقيقي لتفادي الوقوع في مثل هذه الإشكالات والجراحات الأليمة فالتجربة كانت بياناً بالعمل كما يقولون  بحيث بدا للكل أن الأمر هنا لا يتعلق فقط بمجهود الحكومة وحدها وإنما يتكامل مع جهود جموع الشعب فى رفع الإنتاج  وزيادته ومن حسن الحظ أن غالب المواطنين السودانيين أدركوا هذه الحقيقة. ثالثاُ: إن الحكومة من جهة والمواطنين من جهة ثانية رغم كل ما حدث لم تكن القضية المحورية بينهما هو أن تسقط الحكومة أو أن يجري إبدالها ببديل آخر، فلربما كان غضبة أو ممارسة ديمقراطية فى التظاهر والاحتجاج ولكنها لم تكن أبداً قفزاً فى الظلام، وهذا يستفاد منه أن المواطنين السودانيين ينظرون الى الجانب المشرق من القضية، وهو أن تراعى الحكومة السودانية على نحو اكبر مصلحة المواطنين وليس البحث عن بديل هو في حكم المستحيل فى ظل الواقع السياسي المعروف على صعيد قوى المعارضة السودانية التى أدركت هي نفسها أنها عاجزة عن استثمار الأحداث لصالحها لكونها غير مرغوبة شعبياً لتصبح بديلاً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة