الإجراءات الاقتصادية.. نظرة على تجربة شهر!

يستطيع كل مراقب حصيف ومنصف أن يلمس جدية الحكومة السودانية في حل الأزمة الاقتصادية ومن ثم إنفاذ الإصلاحات الاقتصادية الجاري التعامل بها وتقتضي الموضوعية وقد مرّ حتى الآن ما يقارب الشهر على الإجراءات الاقتصادية أن نمعن النظر فى الواقع المعاش وإلى أيّ مدى التزمت الحكومة بإنفاذ حزمة الإصلاحات وما هي النتائج ذات العائد السريع التى باتت ملموسة؟
النقطة الأولى أن الحكومة استطاعت كبح جماح التضخم ذلك أن ارتفاع الأسعار مع وفرة السلع والبضائع حتى مع قلة الطلب يقلل الى حد كبير من نسب التضخم لأن من المعروف أن التضخم فى أبسط تجلياته هو وجود كتلة نقدية هائلة فى مقابل سلع صغيرة لا تتناسب قيمتها مع قيمة النقود.
الإجراءات الاقتصادية أوجدت تناسباً معقولاً بين أسعار السلع والكتلة النقدية الموجودة، وقد كان من الممكن إذا أرادت الحكومة السودانية تجنب المشاكل والاحتجاجات أن تستدين -كحل سهل- من النظام المصرفي وذلك كما هو معروف بطباعة نقود وطرحها فى الأسواق، وهو ذات الأمر الذى يتسبب في رفع معدلات التضخم.
النقطة الثانية، الإجراءات الاسعافية والمعالجات الاجتماعية التى تبنتها الحكومة – جنباً الى جنب مع قرار رفع الدعم عن الوقود – أوجدت هي الأخرى توازناً جدياً ما بين النقود المطروحة للتبادل فى الأسواق وأسعار السلع بحيث يمكن القول إن الدعم الاجتماعي المباشر (150) جنيه للفرد ودعم الطلاب (الكفالة الجامعية) بمبلغ 100جنيه وعدم زيادة تذاكر المواصلات العامة -خاصة البصات ذات السعة الكبيرة- حدّت من الانفلات وأوجدت معادلة جيدة ما بين ما في أيدي الناس من نقود والأسعار التى ارتفعت، فحتى لو قلنا إن النسبة هي النسبة فإن ذلك يشكل نجاحاً لأن ما كان متوقعاً هو أن يقع عجز من جانب الأفراد فى الحصول على احتياجاتهم اليومية.
أيضاً زيادة الأجور بحيث أصبح الحد الأدنى للأجور لا يقل عن 400 جنيه هو الآخر أسهم فى تدارك تفلتات الأسعار بحيث بدت النسبة متقاربة.
النقطة الثالثة، حصول الحكومة على ودائع خارجية (حوالي مليار دولار) من دول شقيقة يتم وضعها فى البنك المركزي أسهم أيضاً فى إيجاد توازن بدرجة ما في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار. وهذه واحدة من أهم النقاط الجوهرية التى كانت مطلوبة لمنع انخفاض سعر الجنيه السوداني.
النقطة الرابعة استمرار الحكومة السودانية فى إنشاء المشروعات الاقتصادية –السدود والمصانع الكبرى–خاصة فى المناطق الأقل نمواً أعطى مؤشراً على أن هنالك إمكانية لزيادة الإنتاج، وزيادة الإنتاج واحدة من أهم وأبرز عناصر الإصلاحات الاقتصادية الجاري إنفاذها.
و هكذا، يمكن القول إن تجربة شهر واحد من الإصلاحات أعطت مؤشراً مواتياً وبداية جيدة، ودائماً تكون البداية شاقة وصعبة وفى الغالب فإن مثل هذه الإجراءات تقابل فى بدايتها برفض واسع لأنها بمثابة نقلة كبرى ولكنها حالما تمضي فى طريقها سرعان ما يدرك الناس أنها ماضية باتجاه إيجابي لا شك فيه!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة