ما هي الاستراتيجية التى إتبعها السودان لكسب ثقة جيرانه؟

ما هي الاستراتيجية التى إتبعها السودان لكسب ثقة جيرانه؟
 من أبرز المميزات الاستراتيجية الواضحة للسودان، حرصه الواضح على علاقات حسن الجوار ومبدأه الراسخ في التعامل الاستراتيجي مع جيرانه. هذه الميزة الواضحة هي التى جعلت من هذا البلد الذى كان مصنفاً كدولة فاشلة، موبوءة بالحروب و الازمات ينهض و يبدع في أداء دروه الاقليمي، وكسب ثقة جيرانه.


وللتدليل على هذه الميزة فان السودان نظر بعين الامتنان للسلطات المصرية وهي تمنع السيد الصادق المهدي زعيم حزب الامة القومي السياسي المعارض من دخول أراضيها! فقد تعددت تحليلات المحللين والمراقبين ومضى الكل في اتجاه، ولكن محصلة هذه المواقف التى لا يختلف عليها إثنان، ان القاهرة على اية حال باتت تستشعر اهمية مبادلة السودان مبادئ حسن الجوار والمحافظة على العلاقات بينها في اعلى قمة سياسية واستراتيجية ممكنة.
اذن من المؤكد ان الحكومة المصرية ادركت ان المهدي الذي يترأس تنظيماً معارضاً يمزج بين السياسي والعسكري، يقوم بنشاط يؤثر على علاقات القاهرة بالخرطوم ، والقاهرة على يقين راسخ ان السودان على اية حال ورغماً عن تجاذبات العلاقة يرفض بإصرار واضح منطق فتح اراضيه لاي معارضة مصرية.
بل ان الحكومة المصرية ربما دهشت غاية الدهشة حين وجدت الخرطوم التى يحكمها التيار الاسلامي تحاشت تماماً مساندة الاسلاميين المصريين الذى تضرورا من زوال سلطتهم بفعل نظام الرئيس السيسي! القاهرة أيقنت ان الخرطوم تضع العلاقة بين البلدين في مسارها الطبيعي الصحيح ولا تعبث قط بمبدأ حسن الجوار.
ربما احتاجت القاهرة لسنوات طوال للوصول إلى هذه النتيجة عانى خلالها السودان من استضافة القاهرة لعناصر سياسية مسلحة عديدة ولكن من المهم في خاتمة المطاف نجحت الخرطوم في كسب ثقة القاهرة للدرجة التى دفعت القاهرة للتصرف من تلقاء نفسها.
قد يقول قائل هنا ان القاهرة كانت تستضيف المهدي قبل سفره إلى ألمانيا وهي تعلم صلاته و علاقاته مع قوى (نداء السودان) التى تضم حركات مسلحة، فماذا لم تقرر قرارها قبل هذه التاريخ. الاجابة في غاية البساطة، فقد أثبتت تحركات المهدي انه يقود قوى سياسية ومسلحة و انه يجعل من القاهرة مقراً دائماً وهي نقطة تسبب حرجاً سياسياً للقاهرة كونها تعمل ضد الخرطوم بهذا القدر السافر من العلانية.
القاهرة وجدت انها غير قادرة على الدفاع عن موقفها في ظل وضوح الامر لهذه الدرجة. من جانب آخر فان السودان يحتفظ بعلاقات حسن جوار مع جارته اثيوبيا، وهي علاقات بدا ان الطرفين حريصين عليها، للدرجة التى حطت فيها طائرة وزير الخارجية الاثيوبي ورقينو في سويعات عقب حادثة اجرامية وقعت في منطقة الفشقة السودانية.
مبدأ السودان في حسن الجوار هو الذي دفع أديس أبابا لكي تهرع إلى الخرطوم لاحتواء الازمة بسرعة فائقة. اثيوبيا ابدت حرصها التام على كسب ثقة الخرطوم تماماً كما بدأت تفعل مصر. من جانب ثالث فان جوبا التى كانت تناصب الخرطوم العداء لسنوات غير عابئة باي شي، لم تجد فى خاتمة المطاف افضل من الخرطوم لحلحلة الصراع المحتدم بين فرقائها: لم تأت جوبا التى استعصت على العالم إلى الخرطوم من اجل الحضور و العودة و لكنها جاءت استناداً إلى ثقتها في الخرطوم و إيمانها بقدرة الاخيرة على إيجاد حل تاريخي وتسوية للازمة، اذ ان الفرقاء الجنوبيين يعلمون الدرجة التي تمسكت فيها الخرطوم بمبدأ حسن الجوار و الابتعاد عن الايذاء و الكيد.
وهكذا فان مبدأ حسن الجوار وحرص السودان على جيرانه وحرصه على ان يكون لاعباً اقليمياً فاعلا ومؤثراً بدأ يؤتي ثماره بالفعل، لا بالقول.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة