المفهوم الأمريكي الخاطئ لإستراتيجية السودان الخارجية!

المفهوم الأمريكي الخاطئ لإستراتيجية السودان الخارجية! لو كانت السياسة السودانية ظاهراً وباطناً قابلة للخضوع والإملاءات والاشتراطات لما كانت للسودان أدنى حاجة في تحمل أكثر من عقدين من الزمان عاني خلالها الأمرّين من عقوبات اقتصادية و ملاحقات و ضغوط مارستها واشنطن ضده بقدر من
السادية الممعنة في الإيذاء و التنكيل!
كان سهلاً جداً –ومنذ مطلع تسعينات القرن الماضي ان يقتفي السودان أثر الولايات المتحدة و يأتمر بأمرها و يدور في فلكها ولا يلوي على شيء! ولهذا فان ان مكمن الخلل في العلاقة المتأرجحة بين واشنطن والخرطوم على الدوام ليس على الجانب السوداني؛ الخلل إنما يقبع على الجانب الأمريكي بنسبة 100% ذلك ان واشنطن:
 أولاً، أدركت بالدليل القاطع ان السودان لا يتقبل الإملاء و السير في ركاب الآخرين معصوب العينين وأسطع دليل لدى واشنطن صمود السودان لما يجاوز الـ20 عاماً في وجه قرارات دولية وشديدة القسوة وتدابير وإجراءات قسرية اتخذتها واشنطن ضد السودان ألحقت أضرار عصية الاحتمال على صعيد الاقتصاد لا تستطيع دولة احتمالها، ثم حروب على الأطراف أرهقت و استنزفت خزينة الدولة.
هذه الأضرار كان بوسع السودان -لو أنه اختار الحل السهل- ان يتفادها منذ البداية ولكنه لم يفعل! وكان ولا يزال لدى مراكز صنع القرار في واشنطن ان تبحث بعمق في هذه النقطة وأن تمعن التفكير  فيها جيداً.
ثانياً، كون ان السودان سعى عبر جهود دبلوماسية يمكن وصفها بأنها ذكية ومثابرة لرفع العقوبات الجائرة عنه فهذا يحسب لصالح السودان ولا يمكن ان يقال بحال من الأحوال ان واشنطن (تفضلت) بهذا الرفع عليه، ومن ثم فان على السودان ان يظل يسدد فاتورة هذا الفضل الأمريكي في سلسلة مطولة من المطالبات و الاشتراطات التى لا نهاية لها. من الطبيعي ان يحقق أي بلد مصالحه وأهدافه وفق قدراته و إمكانياته و إمتلاكه للأدوات والأوراق، ولكن هذا لا يعني بحال من الأحوال إن هذا البلد قد اسلم روحه تماماً لواشنطن وأنه (جاهز) لتلقي الطلبات و الأوامر.
المؤسف هنا ان واشنطن فهمت الأمر على هذا النحو الخاطئ و تناست عنصر العلاقات ذات الطبيعة الندية والمصالح المتبادلة و احترام كل طرف -طوعاً- لمعطيات الطرف الآخر!
ثالثاً، اعتقاد الولايات المتحدة –على الطريقة الامريكية الشديدة التعالي- ان محادثات السودان معها لرفع العقوبات بمثابة بداية سلسلة من التنازلات كان خطأ قاتلاً، إذ لم يكن من سوداني عادي –دعك من الساسة وقادة النظام القائم– ليرضى ان يحضر مسئول أمريكية رفيع و تحط طائرته بمطار الخرطوم و يعقد لقاءات بقوى اجتماعية ودينية ويطلب منهم فيها التخلي عن أمور تمس صميم عقائدهم، بمعزل تام عن الجهات الرسمية!
المسئول الأمريكي الرفيع عقد لقاءً مستفزاً بمسجد النيلين تحدث فيه عن ضرورة تعديل القوانين السودانية و إيجاد تعايش ديني، والأكثر سوءاً ان الرجل تحاشى تماماً لقاء الجهات الرسمية وقصد ألا يتلقي الرئيس!
مجمل القول ان واشنطن أخطأت فهم السودان للمرة الثانية، ففي المرة الأولى اتخذت ضده تدابير لإخضاعه و احتوائه، و حين استطاع نزع سلاسل هذه التدابير عادت لمحاولة إخضاعه من جديد، فكانت النتيجة ان السودان (حرك بيادقه) في رقعة الشطرنج وأحدث النقلة التى لم تتوقعها واشنطن!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة