لماذا أُعتقل هلال؟

لماذا أُعتقل هلال؟

هالة غير حقيقية من القوة والنفوذ أحاط البعض بها زعيم قبيلة المحاميد الموقوف (موسى هلال) في منطقة ذائعة الصيت (مستريحة) بولاية شمال دارفور.

 ولفرط ما قيل عن الرجل وقدراته وقواته، فإن البعض لم يكن يتصور مجرد تصور أن الزعيم القبلي القوي من الممكن أن يقع في قبضة السلطات السودانية ليتم اخضاعه لتحقيق قضائي توطئة لمحاكمته على مخالفات قانونية كما قطع بذلك وزير الدولة بوزارة الدفاع السودانية الفريق سالم في افادة له رداً على مسألة مستعجلة أمام البرلمان السوداني أواخر الأسبوع الماضي!! ولكن على أية حال هذا هو الذي حدث، الرجل الآن في قبضة السلطات المختصة في الخرطوم، بعيداً عن صولجانه وقواته، أعزلاً الا من ردود بلسانه على أسئلة المحققين!! مجمل المشهد يمكن تفسيره ببساطة بالنظر إلى المعطيات الواضحة الحاضرة الآن في السودان، ذلك أن أكثر ما بات يحفز المراقبين على اللهث وراء التطورات في السودان، أن المعطيات واضحة،

والتدرج الموضوعي الذي اختطه هذا البلد من أجل اصلاح أوضاعه، والتخلص من الحروب وآثارها وتبعاتها وتحسين علاقاته الاقليمية والدولية، كلها أمور تدعو للغوص في الشأن السوداني بموضوعية وهدوء فمن جانب أول، فإن زعيم المحاميد الموقوف أخطأ خطأ قاتلاً حين تصور أن بأمكانه أن يؤسس لمواجهة طويلة ومرهقة مع مركز الدولة السودانية!! الفكرة في جوهرها فطيرة وساذجة واذا كانت الدولة السودانية نجحت طوال السنوات الشاقة الماضية في استئصال شأفة الحركات المسلحة وحركات التمرد وشق عصا الطاعة في أجزاء عديدة من السودان فإن (بؤرة مستريحة) لن تعجزها بحال من الأحوال!! هلال لم تمكنه قدراته وتصوراته من استيعاب حقائق واقع استراتيجية الدولة الهادفة الى نزع فكرة حمل السلاح والتمرد من التربة السياسية السودانية الى الأبد،

وهو هدف استراتيجي مشروع لا تساوي تكلفته شيئاً اذا ما قورنت بالكلفة الجسيمة التي عانى منها السودان جراء استسهال البعض لفكرة حمل السلاح والتمرد! دفع السودان أغلى ما لديه من موارد وأموال ورجال واستقرا طوال عقود من السنوات لمجرد أن مجموعات سودانية تظن أن لديها حقوقاً تريد انتزاعها عنوة بالسلاح!!

ومن جهة ثانية وهذا هو مكمن الأسى والأسف الحقيقي فإن هلال قدم اسهامات غير منكورة لصالح الدولة السودانية وهي تقاوم العمل المسلح، فقد حارب الرجل إلى جانب الحكومة ولصالح الدولة السودانية حملة السلاح لأنه على الأقل توفرت لديه قناعة بألا جدوى من مقاتلة دولة بقضها وقضيضها، فكيف اذن عاد ونقض غزل قناعاته بهذه البساطة؟ ولماذا أورد نفسه مورد من وقف ضدهم وهو يعلم أن الأمر في خاتمة المطاف لا جدوى منه على الإطلاق؟ ربما كان الرجل الآن في محبسه الهادئ في الخرطوم يعيد استدعاء هذه الحقائق الواضحة التي غابت عنه هنالك في مستريحة ولم يدركها الا بعد فوات الأوان!! ومن جهة ثالثة، فإن التأسيس العلمي للدولة السودانية السودانية الحديثة التي لا يختلف حولها حاكماً ومعارضين يستلزم فك ارتباط المواطنين بالسلاح،

هذه هي طبيعة الأشياء التي لا مجال لأي استثناء من أي نوع حيالها، فكيف اذن ينظر هلال الى المستقبل وهو يصر على تحريض المواطنين والقبائل على الوقوف ضد جمع السلاح؟ هل يعقل أن يوجد سلاح على يد أفراد عاديين – مهما كانت ميزاتهم ومميزاتهم – هكذا الى الأبد في ظل وجود دولة وسلطة مركزية تتحمل مسئولية ادارة الشأن العام وحماية السيادة الوطنية؟ من المؤكد أن اعتقال هلال – عبر العملية النوعية الماهرة التي تمت على يد قوات الدعم السريع – هي عملية اعتقال استراتيجية لفكرة العمل المسلح ورغبة ادارة الحياة بالاتكاء على مقبض السلاح!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة