تشهد الأوساط المصرية هذه الأيام حالة من القلق الشديد، وذلك بعد
إعلان القاهرة فشل جولة المفاوضات السابعة عشرة لسد النهضة، واتهام الخرطوم
وأديس وأبابا بشكل واضح بعرقلة المسار الفني للمفاوضات،
ما دعا النخبة المصرية والإعلامية إلى كيل الاتهامات بأن إثيوبيا
والسودان لا تريدان توافقا مع مصر، داعية إلى ضرورة التحركات السياسية
والدبلوماسية على مستوى القارة الأفريقية والعالم لتوضيح موقف مصر من السد.
بيان الوزراء
وفي مجلس الوزراء المصري قام شريف إسماعيل رئيس
المجلس بإحاطة وزرائه خلال اجتماعهم أمس (الأربعاء) بالتقرير الذي تلقاه من
محمد عبد المعطي وزير الري والموارد المائية حول الجولة الأخيرة للجنة
الفنية الثلاثية المعنية بسد النهضة، كما عرض سامح فهمي وزير الخارجية
تقريراً حول الأبعاد السياسية ذات الصلة بالموضوع، والأسس القانونية التي
تحكمه وفقاً لاتفاق إعلان المبادئ الثلاثي الذي تم توقيعه بالخرطوم بين
قادة مصر والسودان وإثيوبيا، وتم استعراض الموقف الذي انتاب المسار الفني
نظراً لعدم التوصل إلى توافق حول التقرير الاستهلالي الذي طرح من قبل
المكتب الاستشاري المتعاقد معه، لإجراء الدراسات الخاصة بآثار سد النهضة،
والذي تحفظت عليه إثيوبيا والسودان – كما أشار البيان -،
وقبلته مصر من منطلق الحرص والمسؤولية بإطلاق الدراسة والانتهاء منها
اتساقاً مع الالتزامات المتضمنة في اتفاق إعلان المبادئ الثلاثي حتى يتسنى
وضع برنامج ملء خزان السد ووضع قواعد تشغيله بالأسلوب الذي يدرأ الضرر إزاء
دولتي المصب، وأكد مجلس الوزراء المصري في بيانه أنه يتم حالياً متابعة
الإجراءات الواجب اتخاذها للتعامل مع هذا الوضع على كافة الأصعدة، باعتبار
أن الأمن المائي المصري من العناصر الجوهرية للأمن القومي المصري، وذلك بما
يضمن حقوق مصر المائية ويكفل احترام قواعد القانون الدولي، وبما يتواكب مع
الالتزامات القانونية التي تقع على عاتق الدول الثلاث أطراف اتفاق إعلان
المبادئ الثلاثي حول سد النهضة، والموقف المصري الثابت المتمسك بأهمية
استمرار المسار الفني وعمل المكتب الاستشاري المكلف بمهمة إتمام الدراسات
باعتبارها الأساس للاتفاق على قواعد ملأ السد وأسلوب تشغيله السنوي، بما لا
يخضع لأي رؤية سياسية ذاتية، كما أكد المجلس في هذا الصدد بأنه سيستمر في
المتابعة الدقيقة لتطورات الأمر، والمفاوضات الجارية، وكذلك التوصيات
الصادرة عن اللجنة العليا لمياه النيل في هذا الصدد، لاتخاذ ما يلزم من
إجراءات.
مواقف متعنتة
مسؤول مصري شارك في جولة المفاوضات الأخيرة قال
إن دعوة القاهرة للاجتماع كان بمثابة إثبات حسن نية من جانب مصر وانفتاح
للرغبة في التعاون من أجل حل أي خلافات، إلا أن إصرار الوفدين الإثيوبي
والسوداني على ما أسماه (مواقف متعنتة)، ومحاولات إضافة بنود من شأنها
تحييد نتائج الدراسات عن الحقيقة والإحالة دون إثبات أي من الأضرار
المتوقعة للسد على الأمن المائي المصري، هو أمر لم ولن يكن مقبولاً من جانب
الوفد المصري، ولم يكن من الإمكانية تمريرة من أجل الاحتفال فقط بوجود
دراسات أو الإيحاء بأن هناك مسارا للتعاون دون وجود نية حقيقية لحل الأمور
العالقة أو خدمة مصالح الدول الثلاث.
وأوضح المسؤول – الذي فضل عدم ذكر اسمه: “أوضحنا أبعاد الموقف
المتعثر لكافة القيادات الرسمية في الدولة والملف الآن بين يدي الرئيس
السيسي للنظر في بدائل التحرك في المرحلة المقبلة”، مشيراً إلى أن تصريح
السيسي الأخير بأن ملف مياه النيل مسألة حياة أو موت كان رسالة إلى كافة
الأطراف في الخارج بأن القاهرة لن تقبل بأي حلول وسطية قد تضر مصالحها
وحصتها المكتسبة من مياه النيل التي أصبحت لا تكاد تكفي الاحتياجات
الداخلية، وأضاف المسؤول الآن هناك دراسة لكافة التحركات والبدائل المطروحة
سياسياً وفنياً، لافتاً: “من بين بدائل التحرك المصري سيكون التركيز على
المحافل الدولية لتوضيح حقيقة الأمر في المفاوضات والمسارات اللامنتهية من
اجتماعات متتالية دون الوصول لنتائج واضحة، واقتصار التعهدات السياسية على
تصريحات شفهية فقط دون التزام بوثائق قانونية”.
رفض سوداني
مصدر مصري آخر قريب من المفاوضات قال إن الخلاف كان
على طريقة سحب السودان لحصته من مياه النيل، وأن السودان لا يسحب كل حصته
على عكس المتفق عليه في الهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل بين البلدين،
كما تردد أيضا داخل الأوساط المصرية أن محاولات القاهرة للدفع برفع
المفاوضات مرة أخرى إلى المسار السياسي سواء على مستوى وزراء الخارجية أو
الرؤساء، قوبلت بالرفض أيضاً بخاصة من الجانب السوداني الذي أكد أن ترك
المسار الفني يعني العودة إلى نقطة الصفر. ما زاد الموضوع غموضا هو التزام
الجانبين السوداني والإثيوبي الصمت على ما ورد في بيان وزارة الري المصرية
وعدم التعليق عليه، وحاولت (اليوم التالي) أخذ تعليق من معتز موسى وزير
الري وكانت الإجابة (لا تعليق) فهمنا من خلالها عدم رضى الجانب السوداني عن
الاتهام المصري، بيد أن عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان بالقاهرة قد
شن هجوما على البيان المصري بشأن المفاوضات لـ(اليوم التالي) متهما القاهرة
بالتصعيد السياسي، وأن البيان جاء منافيا للحقيقة، مرجحا أن يكون هذا
البيان مخاطبا للداخل المصري، كما اتهم الجانب المصري في التفاوض بأنه الذي
يحاول إضافة تعديلات على التقرير الاستهلالي وليست الخرطوم، مبينا أن
السودان ظل متخذا مواقف إيجابية في المفاوضات ولولاه لما وصل التفاهم بين
الجانبين المصري والإثيوبي.
موقف الشركات
في الوقت نفسه لم يوضح مسؤولو الوفود الثلاثة بعد
فشل الاتفاق على التقرير الاستهلالي، موقف الشركات الاستشارية القانوني
والمالي بعد توقيع العقود منذ أكثر من عام، لكنها لم تنجز المرحلة الأولية
منها حتى الآن، وما إذا كانت الدول ستلتزم بصرف باقي المستحقات المالية
للشركات.
وكانت اللجنة الفنية الثلاثية الوطنية الممثلة لخبراء المياه
من مصر والسودان وإثيوبيا قد وقعت العقود الفنية مع المكتبين الاستشاريين
(بي أر أل) و(أرتيليا) في سبتمبر 2016، من أجل تنفيذ دراستين لاختبار
التأثيرات الهيدروليكية والاقتصادية والاجتماعية لسد النهضة على مصر
والسودان، وهو ما سيكون من شأنه الاتفاق على آليات التخزين والملء والتشغيل
في سد النهضة وفق نتائج هذه الدراسات، وهو ما نص علىه اتفاق إعلان المبادئ
الذي وقعه رؤساء الدول الثلاث في مارس 2015، والذي كان قد حدد توقيت اجراء
الدراسات
تعليقات
إرسال تعليق