التعاون الزراعي مع الصين

في يونيو من العام2011 ، كنا في معية السيد رئيس الجمهورية في زيارته الشهيرة للصين التي تعرضت فيها طائرته لمحاولة اعتراض فوق الأجواء التاترستانية في طريقه إلى بكين، في تلك الزيارة قام السيد الرئيس بزيارة تاريخية لأكاديمية شاندونغ للعلوم الزراعية بمقاطعة ومدينة شاندونغ شرقي الصين، وهي الأكاديمية التي نفذت واحدة من أهم التطورات الزراعية والتصنيعية والتقدم التقني والعلمي في مجالات الزراعة في الصين، وشاهدنا يومها التقدم الهائل في تكنولوجيا الزراعة والهندسة الوراثية في إنتاج أجيال جدية من الحبوب والخضروات والمنتجات الزراعية وفق تقنيات جديدة وأبحاث علمية دقيقة بدأت مع عهد الإصلاح والانفتاح في العام 1978م، وعبر هذا النوع من البحوث قفزت الصين إلى أكبر منتج للقمح في العالم (تنتج أكثر من 110 ملايين طن في العام) بالإضافة إلى منتجاتها الأخرى من الحبوب خاص الأرز والخضروات والفواكه والقطن وغيرها، ولا تستورد الصين غذاء مواطنيها البالغ عددهم أكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة من خارج حدودها . > شاهدنا مع السيد الرئيس في المزارع النموذجية للأكاديمية الصينية الضخمة التي تعد واحدة من أهم مراكز البحوث العلمية الزراعية في الصين وربما العالم، أنواعا مختلفة من المنتجات الزراعية، فهناك طماطم ملونة بمختلف الألوان والأحجام وطماطم على شكل عنقود من العنب وأخرى ضخمة في أحجام وأشكال متنوعة، إضافة إلى منتجات ومحاصيل أخرى تطورت معها في ذات الوقت عمليات التصنيع الزراعي، كل ذلك بفضل التقدم الهائل في تكنولوجيا الزراعة وتطور البحث العلمي الذي زاد من حجم الإنتاج للفدان الواحد وأصبح بالإمكان إنتاج المحاصيل المختلفة في كل المواسم، وتبوأت الصين بفضل هذا التقدم الكبير مكانتها في مقدمة الدول التي حلت موضوع نقص الغذاء واستقرار إنتاج حاجتها من الحبوب والمحاصيل الزراعية وتغطية حاجة الأسواق المحلية . > وهدفت زيارة الرئيس البشير تلك للأكاديمية لتطوير التعاون في مجال البحث العلمي في مجال الزراعة وتصنيعها، وفتح المجال للاستفادة من قدرات الصين وتجربتها حتى يستطيع السودان الإيفاء بكل احتياجاته وتطبيق خططه ومبادراته خاصة في مجال الأمن الغذائي العربي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وتصدير فائض الحبوب والخضر والفواكه والأعلاف والمحاصيل الأخرى مثل القطن والتوسع في صناعة السكر والملابس وإنتاج الصمغ العربي . >  مناسبة هذا الحديث هو زيارة وفد كبير من جمهورية الصين الشعبية على رأسه وزير الزراعة الصيني ومعه خبراء ومختصون في مجال الزراعة والتصنيع وتكنولوجيا وتقنية الإنتاج الزراعي، وهذه الزيارة ربما تأخرت كثيراً، فالتعاون الحقيقي والأهم مع الصين يجب أن يكون في مجال الزراعة، فالإنتاج الزراعي وتوفير الغذاء أهم بكثير من إنتاج النفط، فالنفط ثروة ناضبة، بينما الزراعة عملية متجددة وذات فوائد ضخمة وتحرك الاقتصاد الوطني بمعدلات أكبر من البترول وتدر عائدات ربما تفوق عائدات البترول، فبلدنا في الأساس بلد زراعي ولديه من القدرات والإمكانات ما يؤهله ليكون أكثر بلدان العالم إنتاجا للغذاء والثروة الحيوانية . >  ولذلك يجب أن تجد زيارة وزير الزراعة الصيني ووفده اهتماما كبيرا من جميع مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام لما فيها من فوائد حقيقية لبلادنا على علاقتنا مع الصين، في إطار الشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين، فهناك توجهات مشتركة في التفكير الاستراتيجي لدى القيادتين، فالرئيس البشير طرح مبادرة الأمن الغذائي العربي على القادة العرب، وهي مشروع استراتيجي ووجه كثيرا المسؤولين والولاة للاهتمام بالقطاع الزراعي والنهضة الزراعية، في ذات الوقت لدى الرئيس الصيني توجهات واستراتيجيات واضحة تعززت في امتدادات علاقة الصين بأفريقيا بالتعاون في مجال الزراعة والصناعة والتعدين، فالزراعة وتطويرها وتنميتها تقع في مقدمة اهتماماته وفي مقدمة علاقات بلاده مع أفريقيا والعالم الخارجي، وجزء كبير من الاحتياطي المالي الصيني البالغ أربعة تريليونات دولار كان من عائدات الإنتاج الزراعي، كما أن الناتج الإجمالي الصيني من الزراعة والتصنيع الزراعي يفوق عشرات المرات العائدات من مجالات أخرى . > يجب أن نستفيد من هذه الزراعة، وأن نفتح أفقا جديدا للتعاون مع الصين التي لم نعرف عنها إلا التعاون في مجال البترول، فقد انفتحت أبواب جديدة لتبادل الخبرات والاستثمارات النافعة علينا بتوجيه كل الطاقات نحوها ولإحداث تغيير جذري في مسار اقتصادنا والاعتماد على الزراعة إنتاجا وتصنيعا وسنرى بعدها إلى أي مرتقى نصعد..!؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة