العقوبات الأمريكية ...حين تكون السياسة خصماً على المواطن

كثيرة هي الشواهد التي تؤكد أن العقوبات الأمريكية أصبحت خصماً على المواطن السوداني.فالولايات الأمريكية لا زالت تضع السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب على الرغم من أن السودان يتسم بالإسلام الوسطي الذي ينبذ الظواهر الدخيلة والجماعات المتطرفة،

يأتي ذلك رغم علم الادارة الامريكية وشعبها بأن السودان دولة آمنة ومن المستحيل أن تكون داعمة لتلك المجموعات.

ويشهد على ذلك جهده المضني في الحد من الهجرة غير الشرعية التي تتأثر منها مختلف الدول بدليل ايقافه لمئات المهاجرين غير الشرعيين مؤخراً عبر الصحراء الشمالية. وتقول الشواهد أن العقوبات الأمريكية لم تترك للحكومة السودانية حلاً سوى الرجوع لخيارات محلية لتجاوز الأزمة الاقتصادية فلم تلجأ الحكومة للخيارات التي لها آثار سالبة على المدى الطويل من ذلك الإستدانة من الخارج أو التمويل بالعجز، فتعاملت مع هذا الواقع بعدة خيارات أولها البحث عن موارد إقتصادية بديلة في مجالات مختلفة من زراعة وصناعة وصادرات أخرى بجانب زيادة إنتاج البترول المكتشف داخل أراضيها والعمل في ذات الوقت على تطوير وتقديم كافة المساعدات لأعمال التنقيب عن الذهب حيث قام بنك السودان المركزي بإنشاء مصفاة للذهب لشراءه من المنقبين وتصديره لإدرار عملات صعبة كبيرة بجانب تشجيع الإستثمار بشكل عام في البلاد من خلال تسهيل الإجراءات للمستثمرين وتقديم عروض تشجيعية لهم.

كما أجازت الحكومة والبرلمان إجراءات تقشفية بتخفيف الإنفاق الحكومي وإعادة هيكلة الجهاز التنفيذي للدولة ورفع الدعم جزئياً عن المحروقات بجانب بعض السياسات الإقتصادية الأخرى المتمثلة في زيادة الضرائب والجمارك. وظلت قضية زيادة التضخم في الإقتصاد السودانى تمثل مشكلة كبيرة للحكومات السابقة ولم يتعافى منها الإقتصاد إلى قريباً وانحصر بنسبة قليلة والسبب الرئيسى في زيادة التضخم هو تعويم العملة المحلية بنسبة كبيرة مما يؤدى إلى وجود سيولة كبيرة في الاسواق فتتدهور العملة المحلية والذى يؤدى بدوره إلى إرتفاع الأسعار، وهذا الأمر رفضته الحكومة السودانية الحالية تماماً لأنه يؤدى إلى إنهيار وتدمير الاقتصاد.

ومن المعلوم أن هذه العقوبات ترجع إلى إتباع الخرطوم النهج الإسلامي طريقاً للحكم، وأنها غير حليفة لإسرائيل، وأنها كانت تأوي أسامة بن لادن، هذا إضافة إلى تمرد الخرطوم وإتخاذها منهجاً إستقلالياً بعيداً عن بيت الطاعة الأمريكي. وحاولت الخرطوم تحسين علاقاتها مع واشنطن من خلال تخفيف حدة خطابها الإسلامي والتعاون معها في مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والسماح لها بالتوسط في الحرب التي كانت تدور في الجنوب بين الحكومة والحركة الشعبية، والتي توجت بنجاح أمريكي بتوقيع إتفاقية السلام الشامل في 2005م، وأوفت بكافة إلتزاماتها في الإتفاقية والتي كانت نتيجتها إنفصال الجنوب. وفي كل هذه المسيرة كانت واشنطن تقدم الوعود للخرطوم بشطبها من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات الإقتصادية وتطبيع العلاقات في حالة إلتزامها بإجراء الإستفتاء وعدم عرقلة إنفصال الجنوب، إلا أنها لم تلتزم بذلك رغم أن السودان إستجاب لكل تلك المطلوبات، وكانت أول دولة تعترف بدولة الجنوب، بل شارك الرئيس البشير في حفل إعلان ميلادها بعاصمتها جوبا.

عموما فإن العقوبات الامريكية على السودان قد ساهمت في تعطل التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتنمية البيئة بكافة جوانبها، لذا فإن المبادرة السودانية تأتي في وقت تمددت فيه آثار الحظر الاقتصادي الشامل والحظر على الأشخاص وتجميد أرصدة حكومة السودان وهو أمر أدى لخسائر كبيرة في مجال السكة حديد التي تخسر 80% من طاقتها سنويا، وكذلك قطاع الطيران مما أدى إلى انهيار الخطوط الجوية السودانية ووقوع الكثير من حوادث الطائرات بسبب اعتماد شركات الطيران على طائرات أقل جودة.

بجانب تدهور القطاع الدوائي بسبب تأثير العقوبات على استيراد الأدوية "خاصة المنقذة للحياة منها"، الأمر الذي ادي إلى توقف معامل سودانية مهمة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة