كذبت جوبا ولو صدقت

من المؤكد ان الحكومة السودانية كانت لها تقديراتها السياسية الخاصة وهي تصغي لنائب الرئيس الجنوبي تعبان دينق لدى زيارته الأخيرة للخرطوم وهو يقدم تعهدات حكومته فى جوبا بإخراج المسلحين السودانيين الذين تستضيفهم الحكومة الجنوبية

منذ ميلاد الدولة هناك! 
تعهدات دينق لم تكن جديدة ولم يكن بها ما يميزها، كانت مجرد صدى يتردد بذات النبرات لتعهدات سابقة وقديمة ظل الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت يقدمها للقادة السودانيين فى الخرطوم دون ان يتبعها عملاً جدياً على الارض. 
ومع ذلك فإن الخرطوم لم تكن تملك اكثر من ان تصغي باهتمام وتومئ برأسها، فتلك هي مقتضيات الاعراف الدبلوماسية ومتطلبات قواعد علم العلاقات الدولية، أن تصدق وتتبادل الثقة والتمنيات كيفما كانت، دون أن يغيب عن ذهنك مطلقاً ان للسياسة احكامها وتعرجاتها وحساباتها الاخرى. 
ولا شك ان الخرطوم ما تزال تؤمل ان تخطو جوبا ولو نصف خطوة باتجاه تنظيف ساحتها من إيواء ودعم حملة السلاح السودانيين المقيمين بأراضيها ليس فقط لان في هذه الخطوة بداية  لاستعدال ميزان العلاقات المتأرجح بين دولتين كانتا رتقاً قبل سنوات قلائل ففتقتها الخيارات وربما المؤامرات، ولكن أيضاً لان الحركات السودانية المسلحة دولة الجنوب فى واقع الامر بمثابة مهدد أمني بالغ الخطورة على الدولة الجنوبية نفسها فضلاً عن المنطقة وربما القارة بأسرها. 
فمن جهة اولى فإن الحركات السودانية المسلحة اجتذبتها ميادين الحروب الداخلية الاهلية وأصبحت ميالة لهذا النوع من الصراعات الذي يتيح لها ممارسة ألوان من النهب والسلب ولتشوين نفسها ومن المؤكد ان وجودها -بهذه المواصفات- يحول دون إمكانية استقرار دولة جنوب السودان وتوقف اعمال العنف.ولن يجادل أحد أنه ومهما كانت مآلات الأمور فإن الفرقاء الجنوبيين لابد ان ينصاعوا في لحظة ما لرغبة شعبهم المغلوب على أمره في الأمن والاستقرار. 
الحركات السودانية المسلحة لن ترضى مطلقاً بتوقف الصراع، فقد بات جزءاً من أسلوب حياتها ومعاشها! ومن جهة اخرى فإن تكلفة وجود هذه الحركات على ارض دولة الجنوب باهظة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهي لن تساعد على إلتئام النسيج الاجتماعي لأنها أصحبت عدواً لإثنيات بعينها، قاتلتها بضراوة ولا مصلحة لها فى توحيد الاثنيات الجنوبية وتناغمها. 
ومن جهة ثالثة فإن علاقة الخرطوم بجوبا ستظل متأثرة بهذا الوقع غير المقبول وجوبا لا تستغني قط عن الخرطوم، مهما كانت تحالفاتها وخيارتها. العامل السوداني ضروري وضارب بجذوره فى العمق الاستراتيجي الجنوبي، ومن المؤكد انه سوف يأتي وقت على جوبا يصبح فيه ثمن طرد الحركات السودانية من ارضها ضئيلاً للغاية ولا يمنحها مقابلاً مجزياً فالسياسة فى مثل هذه الحالات تشبه كساد السلع فى الاسواق فى اللحظات الحرجة الفارقة.
لكل كذلك فإن جوبا فى واقع الامر ونتيجة لعدم إدراكها الاستراتجي لما تفعله الآن وما يجري على أرضها، لا تمتلك الإرادة السياسية الكافية لطرد حملة السلاح السودانيين من على أراضيها. و حتى ولو توفرت هذه الإرادة، فإن من الصعب ان يصدقها أحد!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة