نسبة المشاركة فى الانتخابات ما بين المعقول والمتوقع!

قالت المفوضية العامة للانتخابات في السودان ظهيرة الإعلان عن نتائج العملية التي جرت في الثالث عشر من ابريل الماضي إن نسبة المشاركة في العملية الانتخابية بلغت 46.4 ومع أن النسبة المذكورة بدت معقولة ومقبولة بالنظر إلى المعطيات السياسية الراهنة حالياً في السودان، إلا أن البعض يرى أنها اقل من المتوقع. 
ولكن إذا ما أمعنا النظر في هذه النسبة -بمنظار موضوعي ومتجرد- فهي نسبة طبيعية وتتوافق مع المعايير الدولية المعتادة، إذ ليس من الضروري لقياس نجاح أية عملية انتخابية اعتماد نسبة معينة  للمشاركة، اللهم إلا في الحالات التي ينص القانون صراحة أن هناك نصاباً محدداً للناخبين تُعتَمد عليه أساسه أصوات الناخبين. 
ومن المعروف أن قانون الانتخابات العامة السوداني 2008 بتعديلاته المختلفة لم ينص على نصاب معين تؤخذ منه نتيجة العملية، وعلى ذلك فإن من غير الموضوعي هنا محاولة إجراء مقايسة لنجاح العملية بنسبة المشاركين. إلا انه ورغما عن ذلك دعونا نجري نظرة مقايسة مع نسبة المشاركة الغالبة في بعض الدول حول العالم. 
فعلى سبل المثال فإن الأوربيين –معظم دول أوروبا– تجري حالياً بحوث ودراسات لمعرفة أسباب تدني نسبة المشاركة في العمليات الانتخابية التي تجري فيها من حوالي (62 إلى 42%) فقط! في يوغسلافيا السابقة وعلى وجه الخصوص دولة صربيا اضطرت الحكومة هناك لتأجيل العملية الانتخابية بعدما تعذرت مشاركة 50% من الناخبين وفقاً لما ينص عليه الدستور الصربي. 
أما في فرنسا، إحدى أعرق الديمقراطيات الأوربية فقد لوحظ أن نسبة المشاركة في انتخابات العام 2007 لم تتجاوز الـ29% وتكشف هذه الأرقام أن عزوف الناخبين عن المشاركة أو تدني نسبة المشاركة هي في الواقع (ظاهرة عامة) بصرف النظر عن المسببات التفصيلية الخاصة بكل بلد. 
من جانب آخر فإن نسبة 46% هي نفسها مع كونها بحسب رأي البعض اقل من المتوقع إلا أنها تبدو طبيعية في بلد كالسودان ما يزال الريف والأمية فيه الأوسع نطاقاً من الحضر، خاصة إذا علمنا أن العملية الانتخابية تستمر فقط لثلاثة أيام! 
من جانب ثالث أيضاً فإن السجل الانتخابي نفسه شكل تعقيدات شتى في العملية الأخيرة باعتباره لم يتم تنقيحه بالصورة المطلوبة ومما لا شك فيه أن تنقيح السجل الانتخابي –وهو ما أشار إليه بحق رئيس المفوضية، مختار الأصم– ليس من مسئولية مفوضية الانتخابات، فهو مسئولية الناخب ومسئولية الراغب في خوض العملية، إذ على الناخب الحريص على أداء دوره أن يسعى إلى التأكد من وجود إسمه في السجل، وأن يحرص في حال انتقاله إلى مكان آخر على ضرورة إثبات ذلك في السجل، وهذه كلها أمور تتصل بواجبات الناخب ووعيه السياسي والقانوني ولا دخل لا للمفوضية ولا الحكومة بها لا من قريب ولا بعيد.
خلاصة القول إن واحدة من أهم مؤشرات نجاح السودان في هذه العملية الانتخابية الأخيرة هو هذه النسبة المعقولة التي لا تتيح للحزب الفائز التباهي بحصوله على إجماع السودانيين، ولا هي تتيح للقوى المعارضة الادعاء بنجاح حملة المقاطعة التي دعت لها، فالنسبة التي أمكن الحصول عليها ما هي إلا حالة تعبير مباشر عن واقع موجود على الأرض أثبتت لكل الأطراف أن الأمر منطقي ومعقول ولا مجال للطعن فيه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة