مستقبل العملية السياسية في السودان على ضوء العملية الانتخابية الأخيرة!

على العكس تماماً مما قد يعتقد البعض، خاصة في صفوف القوى المعارضة؛ فإن الاستحقاق الانتخابي الأخير الذي شهد السودان وقائعه في ابريل الماضي يمكن اعتباره بمثابة حجر الأساس للعملية السياسية إجمالا التي تنتظر المستقبل السياسي السودان في المرحلة المقابلة، ذلك أن الثابت أن هذه العملية السياسية –بصفة عامة– تميزت بـ:
أولاً، قدر واضح من النزاهة والحيدة والشفافية بدليل لا أحد أثبت العكس، ولا أحد نجح في طعن قدمه ضدها ولا مراقب من المراقبين المحليين أو الأجانب أورد في تقريره ما يقدح في سلامتها. 
وتميزت ثانياً، بأنها كانت متوازنة حيث بلغت نسبة المشاركة 42% تقريباً وهي نسبة معقولة في ظل الظروف التي يعيشها هذا البلد، بل إن نسبة المشاركة هذه تؤكد أن العملية تمت في نزاهة شديدة لأن الحزب الحاكم كان يتمنى دون شك أن تتجاوز النسبة الـ50% ولو كانت العملية غير نزيهة لحدث ذلك. 
وتميزت ثالثاً، بأنها تمت في هدوء ودون تجاذبات في الشارع العام السياسي بما يعطي مؤشراً موضوعياً قاطعاً بأنها بمثابة ممارسة ديمقراطية موضوعية مارس خلالها البعض حقهم في الاقتراع ومارس البعض الآخر حقهم في الإحجام، دون أن يتغول طرف على آخر أو ينتقص من حقوقه. 
إذن ليس هناك أدنى شك أن الممارسة الديمقراطية جرت بشيء من التوازن والموضوعية الأمر الذي تترتب عليه نتيجة مهمة للغاية وهي أن النتيجة المتحصل عليها معقولة ولا نقول صحيحة مائة بالمائة حرصاً منا على موضوعية العملية وكونها ما تزال تحت النظر إلى حين انقضاء فترة الطعون. 
وهذا بدوره يقودنا إلى التأكيد على أن توازن العملية وموضوعيتها يحتمان على كل القوى السياسية وضعها في الاعتبار عند النظر إلى المرحلة السياسية المقبلة، فالقوى التي حصلت على ثقة الناخبين من حقها التمسك بنتيجة العملية ومن ثم فإن هذه الثقة التي حصلت عليها مقروءة مع البرامج التي طرحتها القوى التي نالت الثقة على أساسها تحتمان عليها تسوية الملعب السياسي وإصلاحه لإتاحة الفرصة للقوى المعارضة لممارسة حقها الديمقراطي فيه وهنا تبرز بقوة أهمية إيلاء اهتمام بالغ بعملية الحوار الوطني، فالحوار الوطني في المرحلة المقبلة مطلوب منه أن ينجز قضية البناء الوطني الديمقراطي وخلق بيئة سياسية مواتية، والتخلص من حالة الشد والجذب غير الرشيدة والتأسيس لبيئة سودانية عامة معافاة من أي منغصات.
القوى السياسية المعارضة على الجانب لآخر ليس مطلوباً منها أكثر من الاعتراف ولو ضمناً بالإرادة السياسية لشعب السودان، إذ ليس من الحصافة في شيء ومهما كانت شدة الاستقطاب القدح في سلامة الإرادة السياسية للمواطن السوداني، إذ من المؤكد أن هنالك سودانيون يفضلون المؤتمر الوطني ويثقون فيه، فهذا اختيارهم وتلك إرادتهم السياسية التي ينبغي أن تحترمها القوى المعارضة، كما أن على القوى السياسية المعارضة أن تضع في اعتبارها أن المتغيرات التي هي سمة من سمات الحياة عموماً من الطبيعي أن تطال الولاءات السياسية وأن من طبيعة العمل السياسي تبدل الولاءات والقناعات السياسية تبعاً لوقوع المتغيرات وعدم ثبات الأمور في الحياة، ومن ثم فإن من الطبيعي أن تندثر قوى سياسية مهما كانت جماهيرها وبرامجها لصالح قيام قوى أخرى ناضجة تحل محلها. ففي مجال الفنون وفي الصحافة وفى السياسة يحدث ذلك باستمرار، تلك هي سنة الحياة وطبيعتها. 
من الضروري أيضاً لمصلحة مستقبل الحياة السياسية القادمة إعطاء قضية سن دستور دائم أهمية قصوى وهي عملية تتطلب حصد توافق سياسي وطني شامل، ومن المهم أن يركز الحوار الوطني على هذه النقطة حتى يكون  الاستحقاق الدستوري المنتظر في 2020 مبنياً منذ وقت مبكر على أساس سليم ومتوافق عليه وعلى الوطني صاحب الأغلبية أن يتحاشى استخدام أغلبيته في تمرير الدستور أو فرضه فرضاً، إذ أن المطلوب هو التأسيس لشرعية سياسية دستورية استناداً على الشرعية المتحصل عليها من العملية الانتخابية هذه لقطع دابر عملية الدورة الخبيثة التي اشتهرت بها الحياة السياسية السودانية المتمثلة في انتفاضة، فترة انتقالية، حكم تعددي، ثم حكم عسكري، ثم انتفاضة ألخ! 
المطلوب كسر هذه الطوق الجهنمي الذي ما عاد يناسب قضايا السودان في ظل المتغيرات التي استجدت حديثاً، وفى ظل تأخر نهضة هذا البلد وتراجعه عن أقرانه لعقود مضت . إذن الأمر يسير وسهل، فقط المطلوب توفق اكبر قدر من الإرادة السياسية لدى طرفيّ المعادلة إذ لا يزال السودان معافى في عموده الفقري ولا يزال ينبض بقوة وتجري دماؤه في شرايينه وضغطه السياسي في معدلاته الطبيعية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة