من هو الفائز الحقيقي في الانتخابات السودانية؟

لا شك أن شعب السودان -موالياً كان أو معارضاً- هو الفائز الوحيد وبجدارة في السباق الانتخابي الذي شهده السودان في ابريل المنصرم، فمن جهة أولى فقد أعطى هذا الشعب الجميع درساً في المحافظة على الأمن والنظام والعض على استقرار البلاد. فلو كان مثل هذا الاستحقاق الانتخابي في أي بلد آخر يعج بالخلافات والاشكالات المختلفة لكان حتماً قد تحول إلى مستنقع من الدماء والأشلاء. 
وكان أمراً مدهشاً أن أيام الاقتراع مرت بهدوء تام، ولم تسجل المضابط الشرطية أية بلاغات أو حوادث بسبب العملية الانتخابية. لم تقع أية أعمال عنف في مراكز الاقتراع. لم يواجه المقاطعون أطرافاً مشاركة لحسم الخلافات عن طريق استخدام القوة. أبدى السودانيون حرصاً بالغاً على ممارسة حقهم الدستوري في المشاركة وفى المقاطعة، دون الحاجة إلى استخدام أساليب عنف أو الحط من الآخر. 
انسابت الحياة في كل مدن السودان بما في ذلك المناطق التي تنشط فيها العمليات العسكرية بصورة عادية وطبيعية لم تؤثر مطلقاً على مجمل الممارسة الديمقراطية . لم تسجل عمليات تزوير منهجية، لم تسع قوى معارضة لإفساد مركز انتخابية ولم تسل دماء في الشوارع بسبب الانتماء السياسي وهذا في الواقع ما أدهش المراقبين الذين قدموا من الخارج، ففي الوقت الذي كانوا يسمعون فيه نزاعات وحروب في السودان، فوجئوا بأن كل شيء على ما يرام.
صحيح أن الأجهزة الحكومة وضعت خططاً وتدابير محكمة للحيلولة دون إنفراط الأمن وصحيح أيضاً أن هذه الأجهزة بقيت ساهرة ويقظة طيلة أيام الاقتراع حرصاً منها على أمن واستقرار البلاد، ولكن لو لم يكن شعب السودان حريصاً وشديد الحرص على أمن واستقرار بلاده لم تكن كل تلك التدابير وخطط الجهات الأمنية ستكون مجدية على الإطلاق. 
ومن جهة ثانية فإن شعب السودان أكد لطرفيّ المعادلة –الحكومة والمعارضة– أن اختياره ورؤيته قائمتين على إرادته الحرة، ففي حين خص الرئيس البشير بنسبة 94% من الأصوات، فإنه أيضاً وضع اعتباراً لما عرفوا بالمستقلين الذين شكلوا ظاهرة ايجابية مهمة كشفت عن تراجع الاهتمام الحزبي لدى المواطنين العاديين. 
بل وحتى نجاح المؤتمر الوطني -كحزب حاكم- في الحصول على أغلبية برلمانية (حوالي 323) نائب على مستوى البرلمان القومي من جملة (426) نائب أراد من خلاله شعب السودان التأكيد على انه حريص على وجود موازنة في المعادلة بحيث لا ينفرد الوطني بكل شيء وهذه النقطة تكمن أهميتها في أن شعب السودان يبدي حرصاً بالغاً بأهمية التوافق الوطني وخلق معادلة سياسية متوازنة تتيح له قدر اكبر من الاستقرار. 
من جهة ثالثة فإن شعب السودان فرض إرادته في إشعار القوى السياسية قاطبة بأنه يمتلك قدراً من الوعي السياسي الذي يمكنه من خلق المعادلة السياسة المناسبة فلا هو استجاب لدعوة الحزب بالمشاركة الكاملة بنسبة 100% في العملية الانتخابية، ولا هو وضع كل البيض في سلة الوطني وحده، ولا هو استجاب لدعوة القوى المعارضة بالامتناع عن المشاركة ومقاطعة العملية برمتها، ولو فعل لأدخل نفسه في مأزق ما بعده مأزق. ولكنه لأنه يتمتع بقدر من الوعي السياسي مارس حقه في الأمرين. 
من جهة رابعة، فإن اختيار الرئيس البشير لدورة قادمة بالنسبة التي اختاره بها بما يقارب الإجماع معناه انه يرى في الرئيس البشير صمام أمان للمرحلة المقبلة ولو لم يكن واثقاً من قدرة الرئيس البشير على تجاوز تحديات هذه المرحلة لما كانت له حاجة البتة لاختياره بهذا القدر. وليس سراً هنا أن هنالك قوى سياسية قاطعت العملية الانتخابية ولكنها في ذات الوقت وجهت قواعدها بالتصويت للرئيس البشير لاعتبارات سياسية موضوعية.
اختيار الرئيس البشير من بين عدد كبير من المرشحين الرئاسيين كان بمثابة نجاح لشعب السودان في ترسيخ الثقة في رجل اختبروه شخصياً لما يجاوز العقدين من الزمان، وبالمقابل فإن شعب السودان –موالياً كان أو معارضاً- نجح في إرسال رسالة مهمة للخارج فحواها أن الرئيس البشير ومهما كانت وجهة نظر القوى الخارجية تجاهه يبقى هو فرس رهان السودانيين بكل قطاعاتهم وانتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم . 
وعلى ذلك فإن كل مجريات العملية الانتخابية التي جرت منذ مطلع ابريل يمكن القول إنها كانت جهد سوداني خالص إذ أن إعداد العملية والصرف عليها وتمويلها، والقيام بكافة مراحلها، كان عملاً سودانياً خالصاً، وهذا ما يجعل الشعب السوداني في حقيقة الأمر بكل فصائله وقطاعاته هو الفائز الوحيد في هذه العملية الديمقراطية المؤثرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة