ليس سراً أن التكتيك المحوري لقطاع الشمال في مواجهاته مع الحكومة السودانية قائم على ركائز محددة، استطاعت جهات دولية معروفة أن تنشئ عليها الحرب الدائرة في المنطقتين، بحيث تبدو وكأنها حرب مفروضة على القطاع وانه بمثابة ضحية لها.
الركيزة الأولي وكما رأينا ولمسنا طوال السنوات الأربع الماضية التوظيف الإعلامي لكافة أشكال الحياة اليومية والمسير العادي للأمور.
أي حدث، أي شجار بين طرفين تستثمره الحركة في إعطاء انطباع أن الدولة السودانية تضطهد أهل المنطقة أو تقلل منهم، أو تسترقهم.
هذه اللعبة للأسف الشديد ظلت مستمرة طوال الفترة الماضية وهي كما يلاحظ الكثيرون مماثلة تماماً للإدعاءات التي كانت تطلقها حركة قرنق في السابق من ادعاء الرق، والإجبار على أحكام الشريعة الإسلامية وتغليب العنصر العربي!
ذات الأمر تبعته الحركة حالياً في المنطقتين.
الفارق الوحيد هذه المرة أن غالب أبناء المنطقتين لم يؤازروا القطاع وبعضهم انسلخ منه وعاد، وبعض آخر أنشأ مكونات سياسية أخرى برؤى موضوعية ووطنية.
الركيزة الثانية الاعتماد التام على الملف الإنساني نفي النموذج الدارفوري رأي قادة القطاع كيف كانت تذرف دموع القريبين جراء معسكرات النزوح وبعض القصص المزينة بألوان مأساوية وهذا يفسر إصرار القطاع في تكتيكه القتالي على استخدام مدافع هاون للقصف (قصف كادقلي) مثلاً في مرحلة من المراحل إذ أن من شأن عمليات القصف إرباك الأهالي ودفعهم باتجاه الفرار والبحث عن ملاذات آمنة!
الأمر المربك للقطاع هنا أن أهالي المنطقة – بفعل التكرار – سرعان ما أدركوا الحقيقة وفهموا المغزى ولم يلتحقوا بمعسكرات والذين فروا سارعوا بالعودة.
الركيزة الثالثة: تمثيل دور الضحية، فمع أن قطاع الشمال هو الذي بادر بإطلاق طلقة (تمرد الحلو في 2011) في مدينة كادقلي ثم تبعه عقار إلا أنه وفي مرحلة لاحقة بدأ القطاع يغير سير الأمور بالادعاء بأن الجيش السوداني مثلاً يقصف قري المدنيين بطائرات!!
ولهذا فقد بدا وكأن القطاع في المواقع هو ضحية لممارسات حكومية قاسية، فيما الصحيح أن القطاع ظل يشن هجمات خاطفة – بالمدافع الثقيلة- على مدن بعينها في محاولة للسيطرة عليها أو طرد ساكنيها منها.
تمثيل دور الضحية من قبل القطاع كاد أن يخدع الكثيرين من المتعاطفين مع القطاع في الخارج وقد أدي الأمر إلى أن يقوم ممثل أمريكي معروف (جورج كلوني) بشراء قمر اصطناعي لتصوير ما يسميه هجمات الحكومة على القرى!!
وكانت المفارقة أن قمر كلوني هذا سرعان ما تحول إلى (أداة تجسس) أو نقطة إنذار مبكر) للقطاع يكشف تحركات القوات السوداني باتجاه قوات القطاع!!
هذه الركائز الأساسية وغيرها الكثير من الركائز الفرعية التي لا تحصى هي الأساس الذي قامت عليه تكتيكات قطاع الشمال وهي ركائز على سذاجتها نجحت في مرحلة من المراحل في استدرار عطف المجتمع الدولي، كما أنها لفتت الأنظار إقليمياً ودولياً للأزمة، ولكن من الناحية الإستراتيجية فإن القطاع في الواقع لم ينجح في المحافظة على ثمارها، وكان واضحاً أن المتغيرات الجارية في الساحة السياسية السوداني أقوى واكبر من أن يحتملها القطاع أو أن يواكبها بذات القدر من المهارة وهو ما أدي إلى أن يتراجع دور القطاع عسكرياً وينحسر الاهتمام الدولي به ويخفت صوته إعلامياً ولم تبق له الآن سوى المفاوضات التي أما أن يخوضها بواقعية وموضوعية فيما قط على وضعه الحالي أو ان يفقدها تماماً فيزداد ضعفاً وتلاشياً!!
تعليقات
إرسال تعليق