لماذا رفض قطاع الشمال العودة للتفاوض؟

بالطبع لم يبرر قطاع الشمال، تبريراً موضوعياً مقنعاً رفضه العودة الى مائدة التفاوض في أديس أبابا فلسان مقاله فى هذا الصدد لم يكون مبيناً في الافصاح عن أسباب هذا الرفض والإحجام، ولكن لسان حاله أفصح في الواقع فى تِبيان حقيقة موقفه.
أولاً، القطاع من الناحية العملية لم يعد كما كان في السابق فعلاوة على أعداد المنسلخين منه والذين عادوا زرافات ووحدانا الى مناطقهم، خاصة بعد استعار الحرب بين الفرقاء الجنوبيين، فإن القطاع -ببساطة شديدة- لم يعد له وجود فعلي مؤثر على الأرض، وهو أمر حدث منذ سنوات ولتفادي ذلك فقد لجأ قادته الى تكوين الجبهة الثورية حتى يغطوا على الفراغ المهول وللتدليل على هذه الفرضية فإن القطاع لم يُسمع له صوت طوال الفترة الماضية التى اندلع فيها الصراع الجنوبي الجنوبي وظلت الفصائل المكونة للجبهة الثورية وهي الفصائل دارفورية، الأكثر حركة ووجوداً في الساحة.
ثانياً، قطاع الشمال أدرك بصورة أو أخرى ان المجتمع الدولي لم يعد متحمساً لتكرار تجربة نيفاشا 2005، كما أن الخرطوم -بالمقابل- حذرة كل الحذر من تكرار تلك التجربة وحاول القطاع عبر مفاوضيه في جولات التفاوض السابقة طرح ومناقشة كافة قضايا السودان، ولكن الامر اصطدم بالرفض السوداني ولم تفلح كل جهود المبعوث الامريكي الخاص (دونالد بوث) في الوصول الى هذا الهدف، بل إن (بوث) -لسوء الحظ- لم يحظ بتأشيرة دخول الى السودان قط، حتى يمارس ضغوط على الخرطوم لكي ترضخ لطلبات القطاع حاملاً نفس وعود واشنطن السابقة التى سئمت الخرطوم منها وشبعت من وعودها السرابية.
ثالثاً إندلاع الصراع الجنوبي الجنوبي الذي شكل صدمة سياسية بالغة للقطاع بما حمله من انشقاق تاريخي في الحركة الشعبية الأم أحبط قطاع الشمال غاية الاحباط. وذلك ببساطة أيضاً لأن الحركة الام التى ترعى القطاع هي نفسها الآن في مهب الريح ومن المؤكد أيضاً -جراء هذا الصراع الدامي- فإن القطاع هو الآخر (إنشقَّ) ولو في صمت الى أكثر من قطاع! ومن الطبيعي إزاء واقع مزري كهذا ان يتحسب القطاع لأيّ جولة مفاوضات يزمع خوضها، فهو يخشى من ان ينكشف في مائدة التفاوض، أو حتى (يفاجأ) بشيء ما وهو على المائدة!
رابعاً، الحركات الدارفورية المسلحة التى تعمل تحت لواء الثورية -للمفارقات- اصبحت في وضع متقدم لدى الحكومة الجنوبية فى جوبا جراء الاسناد العسكري الثمين الذي قدمته للجيش الشعبي الجنوبي فى صراعه مع التمردين الجنوبيين، وقد رأينا كيف أصبح من المعتاد ان يلتقي قادة الجيش الشعبي بقادة الحركات المسلحة للتنسيق وتقديم الدعم.
هذا الوضع أعطى انطباعاً للقطاع بأنه (لم يعد مدللاً) كما كان في السابق ومن الممكن استبداله (بمن يخدم أكثر) ولهذا آثر القطاع النأي بنفسه عن التفاوض لأنه -أيضاً ببساطة- لا يعرف لماذا يتفاوض وإلى ماذا يقوده هذا التفاوض ومن يستفيد منه؟
إذن القطاع عملياً تحول الى لافتة الثورية والتى وجدها أكثر تأثيراً، ففيها عناصر من بعض القوى السياسية الداخلية مثل التوم هجو ونصر الدين الهادي وبها حركات دارفور، فهي –أي الثورية– باتت تشكل الأمل الوحيد لقادة القطاع للخروج من مأزقهم الى حين إنجلاء الموقف في جوبا!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة