الدول الغربية ودولة الجنوب.. البكاء على اللبن المسكوب!


يبدو أن الحرب الجنوبية الجنوبية الطاحنة التي تشهدها دولة جنوب السودان منذ منتصف ديسمبر الماضي والتي بدت بغير نهاية، يبدو أنها بدأت تضاعف من مشاعر الحسرة والندم لدى العديد من الدول الغربية التي عملت لعقود طويلة -سراً وعلانية- على إنشاء دولة جنوب السودان واقتطاعها -سلماً أو حرباً- من جمهورية السودان. والقصص في هذا الصدد لا أول لها ولا آخر، ولكن أكثر ما لفت الانتباه بشدة مؤخراً الورقة المحيرة التي نشرها باحثان هولنديان هما (توم بلتر) و (جيل كوسترفان) بمركز لاهاي للعدالة الدولية مؤخراً.
الورقة تحدثت عن ما أسمته حسرة الهولنديين على الاوضاع الجارية حالياً في جنوب السودان والصراع الدامي الذي قضى فعلياً على الاخضر واليابس وقتل كل أمل في مستقبل مشرق و مشرِّف لهذا البلد الافريقي حديث الولادة . ويصف الباحثان حجم الدعم الذي كانت تقدمه هولندا الى دولة جنوب السودان والذي يقال إنه إجمالاً وصل الى 500 مليون يورو بأنه كان (دعماً مسيساً) بمعنى أنه لم يكن دعماً لبناء الامة بقدر ما كان دعماً -ذي طبيعة سياسية- لبناء الدولة!
وتسهب الوقة الهولندية في محاولة يائسة لايجاد مخرج من هذه الورطة بإجتراح سبل دعم واستحداث طرق أكثر فاعلية لمعالجة الاوضاع المتفجرة في دولة جنوب السودان، في ظل شعور العديد من الدول الاوربية بأنها ارتكبت حماقة واضحة بتشجيعها على إقامة الدولة الجنوبية وهو أمر -كما هو معروف- سبق وأن تطرقت إليه جهات أمريكية عديدة منذ نشوب النزاع الاهلي الجنوبي حين تبيّن بجلاء أن قادة الحركة الشعبية تفرغوا تماماً لطموحاتهم الشخصية!
ومن المؤكد ان الذي يهمنا من كل (هذه الحسرة الغريبة) هو سوء التقدير السياسي لدى الكثير من الدول الغربية التى لا تكف عن التدخل في شئون الدول الاخرى بحجج في أغلب الاحيان ثبت خطؤها. وإذا ما أجرينا معادلة سريعة عابرة بما كانت قد وعدت به الدول الغربية طرفيّ النزاع في الشمال والجنوب إبان معاهدة السلام الشهيرة التى جرى ابرامها في العام 2005 بضاحية نيفاشا من رفع للعقوبات، واعفاء للديون وتقديم مساعدات اقتصادية فإن المعادلة تبدو بالفعل متوازية، فمن جانب أول فإن السودان الذي أوفى بإلتزاماته كاملة حتى مرحلة انشاء الدولة الجنوبية ما يزال يواجه تعنتاً من الدولة الجنوبية الجديدة حيال قضايا ترسيم الحدود وحل النزاعات والقضايا العالقة، بما يعني ان السودان ظلم مريتن؛ مرة حين أوفى بكل شيء ولم يُعط ما يستحقه، ومرة أخرى حين فشل الطرف الرئيس معه في المعاهدة في الوفاء بالتزاماته التعاقدية. ومع كل ذلك فإن دولة جنوب السودان فشلت فى إدارة نفسها بل إن أذاها الأمني بات رزازه يصل الى السودان!
ومن جانب ثاني فإن السودان الذي هو في حاجة حقيقية لدعم دول الغرب لأن من شأن ذلك ان يصب في مصلحة جاره الجنوبي نظراً للرباط الاستراتيجي بين الجارين، لم يتلقى شيئاً من الدول الغربية في حين ما تلقته الدولة الجنوبية من الدول الغربية -في شكل مساعدات مهولة- ذهب في عامين فقط في مهب الريح، بل لا يعرف حتى الآن ما إذا كان بالامكان احتواء الصراع في جوبا أم لا. ومن جانب ثالث فإن الدول الغربية -مع كل ذلك- ما تزال على استعداد للإنفاق أكثر على موقد النيران اللاهب فى دولة جنوب السوان مع علمها بأنه سوف سليتهم في الحال ما تقدمه!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة