
لسبب غير معلوم ومن الصعب اعتباره موضوعياً بحال من الأحوال، ما تزال الولايات المتحدة تضع العراقيل والعقبات أمام مسار علاقاتها مع السودان.
الإجراء الأخير الذي اتخذته إدارة الرئيس ترامب قبل ايام قلائل بإستمرار حالة الطوارئ تجاه السودان، يمكن اعتباره واحداً من هذه العراقيل والعقبات غير المبررة وغير المستندة إلى حيثيات حتى ولو كانت حيثيات مثار جدل وخلافات.
ففي ذات الوقت الذي صدر فيه هذا القرار، فان السودان كان قد فرغ للتو من إنهاء الصراع الدموي الحاد في دولة جنوب السودان، وبداية عهد جديد في الدولة الجنوبية الوليدة والتى أثار الصراع الجاري فيها هواجس المجتمع الدولي والإقليمي ولم تستطع حتى الولايات المتحدة نفسها ان صاحبة المصلحة في قيام الدولة الجنوبية وخروجها إلى الوجود، من إنهاء الصراع المدمر.
هذا النجاح المذهل الذي حققه السودان و بصرف النظر عن ملابساته، فهو يشير بوضوح إلى ان السودان لو لم يكن بلداً مسالماً وخالٍ من العنف ومن مسببات الاختلال الأمني لما استطاع تحقيق هذا النجاح.
لا يمكن لبلد تعافه واشنطن وتتوجس مما يجري فيه، ان ينشط هذا البلد في تكدير صفو أمن المنطقة أو الأمن الدولي، ان ينجح في إعادة الأمن والاستقرار إلى دولة حديثة عهد بالوجود وكادت ان تختفي من الوجود جراء صراع جنوني فشل العالم بأسره في احتوائه ولكن السودان نجح فيه!
ليس ذلك فحسب، لكن السودان حظي بمباركة أطراف دولية وإقليمية لإمساكه بملف الصراع في أفريقيا الوسطى وتحقيق إتفاق سلام مماثل للاتفاق السلمي الجنوبي. الآن يقود السودان جهود إنهاء الصراع في أفريقيا الوسطى استنادا لنجاحه في إحلال السلام في جنوب السودان وبتشجيع ومباركة من روسيا و الاتحاد الإفريقي.
بلد بهذه المعطيات الإقليمية والدولية الجيدة ويحظى بهذا القدر العالية من القبول و يحرز النجاحات لا يمكن ان يكون محط شكوك وهواجس دولة عظمى مثل الولايات المتحدة التي تدرك في قرارة نفسها طبيعة هذا البلد وقدراته وما يحيط به.
من جانب آخر فان واشنطن كانت قد قررت -طوعاً- رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ حوالي 20 عاماً . فعلت ذلك بمحض إرادتها وبما توفر لها من مسببات وشواهد على الأرض لمستها بنفسها وأبرزها تعاون السودان تعاوناً فاعلاً في مكافحة الارهاب لعقود وأداؤه الجيد في مكافحة الجرائم المستحدثة المتعلقة بغسيل الأموال العابرة للحدود وجرائم تهريب البشر، و سد النوافذ الحدودية العديدة في المنطقة التى تهدد الأمن القومي لبلدان المحيط الإقليمي والدولي.
واشنطن عايشت عن قرب وعبر قرون استشعارها ووسائلها وآلياتها الخاصة هذا الدور السوداني الحقيقي و الجاد حتى وصلت إلى قناعة برفع العقوبات ثم تلتها بقناعة أخرى بتحديد 5 مسارات بغية النظر في شطب اسم السودان من قائمة الارهاب وبدأت بالفعل اجتماعات ثنائية في هذا الصدد لكي يتوصل الطرفان إلى قناعة دبلوماسية تترجم لقرار لشطب اسم السودان من قائمة الارهاب.
كيف يمكن اذن تفسير وضع هذه العراقيل و تعقيد الطريق إزاء كل هذه المعطيات الايجابية الواضحة؟ لا أحد يدري بالطبع ، فالأمر مفارق لكل سياقات المنطق السياسي السديد ، ولهذا فان الرئيس السوداني لم يبتعد كثيراً في وصفه لهذا المسلك الأمريكي الغريب حين قال في خطاب جماهيري مؤخراً في ولاية النيل الأبيض بوسط السودان ان الذي يتغطى بأمريكا عريان!
لقد كان البشير يشير الى المعيار الأمريكي المثقوب الذي لا يصلح كمعيار موضوعي وعادل على الإطلاق.
x
تعليقات
إرسال تعليق